ما الذي يفهم من قرار محكمة العدل الإسرائيلية العليا

عليان هندي
لفت انتباهي تعليق بعض الفلسطينيين على قرار محكمة العدل العليا بخصوص تأجيل قرار الحكومة الاسرائيلية إقالة رئيس جهاز المخابرات العامة "الشاباك" واعتبار ذلك د احتراما من المسؤولين الإسرائيليين لقرارات المحكمة العليا متناسين أن هناك صراع محتدم بين مؤسسات الدولة العميقة وبين اليمين المتطرف في اسرائيل منذ أن انتخب بنيامين نتنياهو عام ١٩٩٦ عندما كشف عن مرتبات جنرالات الجيش ،وهو من المحرمات في ذلك الوقت، وذهب باتجاه مفاوضات مع سوريا من دون استشارة مؤسسات الجيش المختلفة التي شاركت في كل المفاوضات التي جرت مع العرب منذ عام ١٩٤٨ حتى اليوم.
تلك التصرفات دفعت نحو انشقاق في الليكود وفك التحالف الذي أقامه نتنياهو ما دفع إلى إقالته وخرج من الحياة السياسية متهما بأنه غير ناضج ومراهقا ليكون رئيسا للوزراء، حيث ظل مبتعدا عن هذا المنصب حتى عام ٢٠٠٨،حين عاد في انتخابات عامة وأوجد نوعا من التعايش مع مؤسسات الدولة العميقة ومبتعدا عن أي احتكاك معها ما تسبب باستقرار حكمه حتى عام ٢٠٢٢ عندما قرر أن يخوض الصراع مرة أخرى لكن هذه مع الجهاز القضائي الذي استنفر للدفاع عن مؤسساته. ومستغلة حرب السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ قررت المحكمة العليا الغاء الإصلاحات القضائية التي طرحها نتنياهو، ما أعاد الصراع إلى مربعه الاول في الصراع بين الجهة المنتخبة (الكنيست والحكومة) ومؤسسات الدولة العميقة.
لكن بنيامين نتنياهو استغل حالة الضعف التي مر بها الجيش والمؤسسات الأمنية، في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣, ومستندا في ذلك على منطق المؤامرة التي اشترك فيها رئيس الأركان ورئيس جهاز المخابرات لإزاحة نتنياهو عن الحكم، الأمر الذي دفع به للعودة لخوض الصراع للمرة الثالثة وهذه المرة ضد رئيس الجهاز الخاضع لسيطرته بشكل مباشر وهو رونين بار ، الذي رفض القرار معتبرا أن الإقالة جاءت لاعتبارات سياسية وليست مهنية، علما أنه اتخذ قرارا بالاستقالة من منصبه من دون أن يحدد موعدا لذلك، أسوة ببقية جنرالات الجيش الذين قدموا استقالتهم، وقال بار أمام المحكمة في رسالة وجهها لها أنه مخلص للدولة والقانون وليس لرئيس الوزراء الذي يتساوى معه في تنفيذ القانون.
إجمالا لا يمكن القول إن ما يجري هو صراع قانوني أو مواجهة ديمقراطية، بل صراع عميق يهدد دولة إسرائيل من تحويلها من دولة مؤسسات إلى دولة أحزاب وتيارات. ولأن إسرائيل دولة قانون وليس دستور ونظرا لتركيبة الحكم المعقدة في اسرائيل واعتماد الأحزاب الكبيرة على الأحزاب الصغيرة في استقرار حكمها، فإن نجاح نتنياهو وأحزاب اليمين في هذا الصراع سيجعل الأحزاب الصغيرة مثل الصهيونية الدينية أو أحزاب المتزمتة دينيا (الحريديم) هي الحاكم الفعلي لدولة إسرائيل بموجب قوانين جديدة سيبتدعها.