د. أحمد حرب في الذاكرة .. إبداع وقدرة على الإبهار

فبراير 9, 2025 - 11:54
د. أحمد حرب في الذاكرة .. إبداع وقدرة على الإبهار

محمد زحايكة

في جامعة بيرزيت، كان اللقاء الأول الذي جمعنا مع د. أحمد حرب، وتتلمذنا على يديه مساقات في اللغة الإنجليزية، وكان من الممكن أن تكون العلاقة مع د. حرب علاقة عابرة لولا أنه مولع بالأدب ومهتم بالكتابة الإبداعية باللغة العربية، كما تبين لاحقاً من خلال المهرجان الأدبي الوطني الأول، من صناعة الشاعر والكاتب الراحل علي الخليلي، محرر مجلة الفجر الأدبي في جريدة الفجر المقدسية، بداية ثمانينيات القرن الماضي، والذي نظم في قاعة مدرسة المطران بالقدس- شارع نابلس، والمجاورة لمقر ومكاتب الجريدة. 

ولأنه كانت لي في بداية عملي الصحفي أوائل ثمانينيات القرن الماضي، اهتمامات أدبية حيث شاركت بقصة قصيرة متواضعة بعنوان "البراغيث تغزو جزيرة القمر"، أعبر فيها بطريقة ساذجة وسطحية، كشاب مراهق ويانع عن حبه وانتمائه لفلسطين، وكان دور د. أحمد حرب هو مراجعة المواد الأدبية المقدمة للمؤتمر ونقدها، حيث شعرت بالحرج عندما تطرق د. حرب إلى قصتي الساذجة، ولكنني دهشت من طريقة وأسلوب النقد المحفز الذي اعتمده، رغم ما اعتور القصة من ضعف وهفوات، وما اعتراها من سذاجة، حيث أنها تخلو من أية شخصية قصصية، وكان ذلك وربما ما زال من أهم عناصر القصة القصيرة أن تحتوي على بعض الشخوص التي تحرك الأحداث، حتى يكتمل العمل الفني الأدبي، وما تسمى بالحبكة الدرامية.  

ثم كان أن ذهب كل منا في حال سبيله حتى فوجئت برواية بعنوان "إسماعيل"  للكاتب د. أحمد حرب والتي فهمتها في  ذلك الوقت، وعلى السليقة أو بالفطرة، وكما بدا لي آنذاك بأنها تعبير عن رسوخ جذور الفلسطيني في هذه البلاد، إلى أن ذكر حرب في لقاء  ثقافي حديثاً قبل أيام مع الروائي المقدسي عارف الحسيني في مركز محمود درويش برام الله، أنها جاءت للرد على رواية بعنوان "النمل" لكاتب إسرائيلي يزعم بأحقية جماعة شلومو بهذه البلاد!

كانت علاقتي مع د. أحمد حرب علاقة متابعة من بعيد لبعيد، حيث اعتدت أن  أتابع  كوني صحافياً متجولاً، كل جديد في عالم الإبداع والثقافة، خاصة عندما ينشر ويصدر د. حرب إبداعاته ورواياته المجبولة بالروح الفلسطينية المتمردة والعنيدة، وصلابة تمسكها بوطن الآباء والأجداد عبر رمزية شخوص أو شخصيات رواياته. ولا أدري حتى الآن لماذا يخطر في بالي، أو لماذا أخلط بين د. أحمد حرب وغسان حرب، المناضل الشيوعي الذي قرأت حكايته في كتاب المحامية التقدمية الإسرائيلية الراحلة فيليتسيا لانغر  "أولئك إخواني"، وما تعرض له من صنوف التعذيب في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، ربما لكون الاثنين من أنصار الفكر التقدمي، وإن كان غسان حرب فلسطينياً من رام الله، ومن طائفة أخرى على ما أظن، في حين أن د. أحمد حرب هو من الجنوب قضاء محافظة خليل الرحمن. 

د. أحمد حرب كان رحمه الله،  شخصية أكاديمية متفاعلة مع محيطها المجتمعي والأكاديمي، وهي تواكب حركة الفكر والإبداع الأدبي بجدية، وتعمل وتجهد لإنتاج إبداع وفكر مستنير، موظفة موهبتها الأدبية في هذا السياق. شخصية متزنة منحازة  حتى العظم إلى التعليم والتفوق العلمي في مختلف المجالات،  شخصية ودودة وخجولة، مبتسمة قادرة على التعبير عن مكنونات نفسها باقتدار ووضوح تام. ورغم رصيدها وبصمتها الأكاديمية والأدبية لا تغالي، ولا تتشاوف بهذا الرصيد من الإنجاز، وإنما تتصف بالتواضع وبالموضوعية والحوار الهادئ للوصول إلى أرضية مشتركة مع انفتاح واع وحذر على كل الأفكار المطروحة بدون تشنج أو تزمت أو انغلاق. 

 سيبقى الراحل د. أحمد حرب في الذاكرة رمزاً من رموز الحياة الأكاديمية في جامعاتنا الفلسطينية، وضع عصارة أفكاره الإبداعية لتكون منهلاً صافياً ونبعاً أصيلاً لمحبي المعرفة وعشاق الحياة الراقية.  

أبهى وأجمل باقات الورود والزهرات اليانعات، نضعها على قبر هذا المبدع صاحب المواهب المتعددة