تحت سطح البحر

قراءة وتعقيب

يناير 14, 2025 - 15:11
تحت سطح البحر

محمد قاروط ابو رحمه

رواية: مروان سمرات مؤرخ وروائي، ط1، دار الياخور 2023

اريحا في 14/1/2025

الكتابة الناضجة المطورة للمعرفة والتفكير، هي التي تجبر القارئ على التفاعل معها، ثم تنهضه من مكانه للعمل.

الكتابة المطورة للمعرفة والتفكير، يكتبها كاتب تفيض منه المعرفة المكونة من مفاهيم مترابطة، ويحملها على مفردات وجمل تفيض ايضا بالفنية.

رواية تحت سطح القمر للمؤرخ والروائي مروان سمرات نص فعل فعله عندي، ودفعني لعمل الكثر.

شكرا لكل من الاستاذة نادرة المغربي، والاستاذ مروان سمرات على اختياري لتقديم قراءة في هذه الرواية.

في 10/12 العام الفائت اطلقت مؤسسة الابحاث والدراسات الفلسطينية الموسوعة الفلسطينية بعنوان فلسطين قبل مليون عام. شارك في اعدادها 40 باحث وهي تتمون من 1000 صفحة.

هذا الجهد الفلسطيني لكتابة تاريخنا، يتماشى تماما مع ما قاله عالم التاريخ الفلسطيني القديم الدنمركي طوماس تومسن حيث قال:

لن ينتصر الشعب الفلسطيني قبل استرداد تاريخه.

وتتبع التاريخ لكتابته يتم عبر الاثار، مثل رقعة، او حفر على صخرة، او قبر، او بناء، او اي اثر موثوق يستدل به. بما في ذلك بقايا عظام الموتى.

احمد الدبش المؤرخ الفلسطيني له 6 مجلدات حول تاريخ فلسطين القديم، وهو محل احترام الكثير من المؤرخين، لكن كان منير شفيق المفكر الفلسطيني العربي الاسلامي يقول له دائما:

يا احمد: يكتب التاريخ بالاثار.

كان احمد الدبش من مدرسة كمال الصليبي اللبناني و فاضل الربيعي الذين اعتمدوا على ترجمة الاسماء واسقاطها على الاماكن.

كذلك كان المؤرخون عبر العالم، إذ كانوا يعتبرون التوراة مصدرا موثوقا للتاريخ.

احمد الدبش تخلي عن مجلدات الستة، لصالح علم الاثار

واهل علم التاريخ تخلوا عن اعتبار التوراة مصدرا موثوثا لكتابة التاريخ ايضا لصالح علم الاثار.

وانا كقارئ ولست من اهل الاختصاص في التاريخ او علم الاثار، فان رواية تحت سطح البحر للمؤرخ والروائي مروان سمرات تقع في مجال علم الاثار، وان صيغت بطريقة روائية.

كما ان هذه الرواية تعالج هوية هذه الارض منذ اكثر من 3000 عام، وتقدم مجموعة واسعة من الادلة التي كتبها المغائريون اليهود عن الممالك الكنعانية، وخاصة مملكة اريحا، والمتعلقة بطريقة حياة سكانها وتطورهم البنياني وطريقة سكنهم، وحياتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتدجين المواشي، وخبر القرص وانارة طرقها بالزيت والخشب،  وكيف طوروها ضمن محيطها العربي.

كما توثق للعابرين كيف انقلبوا من عابرين مسالمين مضهدين يلتمسون الامان والطعام، الى اسوء وحوش بشرية ليس ضد الكنعانين فقط بل ضد اتباع دينهم الذين رفضوا تحريف التوراة.

ان ما حدث مع الشعب الفلسطيني في العصر الحديث هو تجربة مماثلة لما حدث قبل اكثر من 3000 عام. استقبلناهم فغدرونا، وغمسوا السيف بدمنا

لقد تمكن شمعون بار كوخبا من تحريف التوراة وانتج الكهنة وتحالف مع غير اليهود من اصحاب البشرة البيضاء، كما تسميهم رقائق المغاريين اليهود بالاشنكناز قبل 3000 عام، (قد تكون هذه الرواية اول من وثق لكيفية اعتناق غربيين لليهودية التي هي خاصة بسلالة سيدنا يعقوب عليه السلام)  كما تقول عن لون بشرتهم انه ليس من لون بشرة موسى عليه السلام ومن بشرتهم.

وكيف قام هذا التحالف بملاحقة كل من خالفه، حتى اضطر جزء من اليهود الذين رفضوا الاقرار بتحريف التوراه ورفضوا احتلال ارض فلسطين بالقوة، ورفضوا الابادة الجماعية للمالك الكنعانية، الى الهرب بدينهم نحو مغائر صحراء النبي موسى المطلة على البحر الميت، ومغائر جبل قرنطل ووادي طوسون، تماما كما طاردت وقتلت دولة الاحتلال العالمة كاثرين كييون لانها كشفت تاريخ الحضارة الناطوفية في اريحا والاغوار الممتدة قبل اكثر من  10 الاف عام، تماما كما تمارس الان هذه الدولة النشاز طمس اي اثر فلسطيني عربي كنعاني باستثناء بعض المؤرخين منهم.

لقد اخفوا كل اثر في قرية القباب احد حواضر القدس يدل على ان الفلسطيني هو اول من عمل في الحدادة، كما ان مملكة اريحا هي اول صاحبة علامة تجارية بختم يختم به على بضائعها التي كانت تسوق حتى بلاد ما بين النهرين.

هنا في موضوع الاختام التجارية قد تكون اريحا اول من استخدم العلامة التجارية، واول من استخدم الاختام الممالك الكنعانية في فلسطين بهدف تعريف الناس بانفسهم وايضا في المراسلات بين الممالك، وهذا يطرح تساؤل عن اول من استخدم علم العلامات السيميائية من ناحية تاريخية.

 ان الذي يحدث الان في غزة، ولبنان والضفة هو نسخة اسوء من الذي حصل قبل 3000 عام من التطهير العرقي والابادة الجماعية الذي قاده شمعون بار كوخبا وتحالفه مع الاشكيناز ضد مملكة نابلس وبيت لحم والخليل وغيرها من الممالك الكنعانية العربية على ارض فلسطين.

كانت هذه الممالك بما فيها مملكة اريحا تحظى بنظام سياسي واقتصادي واجتماعي وتطور بنياني واختام خاصة بكل مملكة وعلاقات بينية قائمة على الاحترام المتبادل قبل شريعة حمورابي، حتى هاجمها بالسيف والحديد والنار تحالف الكهنة اليهود مع الاشكيناز. تماما كما نرى الان كيف يقدم الغرب الوحشي الاستخرابي كل ادوات القتل والدمار لهذا الكيان المصطنع.

تساهم هذه الرواية برفع الوعي لاهمية التعامل الايجابي مع السائح الاجنبي والعمل على استقطابه للرواية والحق الفلسطيني وذلك من خلال ما قدمه زياد وسالم للسائحة الايطالية اور الباحثة الاثرية الايطالية.

كما تساهم برفع الوعي بكيفية التعامل مع طلاب المدارس الدينية المسيحية الذين يتعلمون في دير جبل قرنطل او دير حجلة او غيره من خلال نموذج تعامل سالم مع القبرصية في دير قرنطل اثناء احتمائه بالدير من مطاردة قوات الاحتلال.

كما يقدم سالم نموذج للتعامل مع رجال الدين والراهبات غير العربيات الذين يتواجدون بيننا، كما تقدر هذه الرواية جهود الرهبان والراهبات اليونانيين في اخفاء وعلاج وايواء سالم خلال مطاردته من قبل قوات الاحتلال.

 

كما توثق للاعتقال وكيف يتم تحويله الى مدرسة نضالية وكيف تعرف سالم على البروفسور ابراهيم عياد استاذ الفلسفة والعلاقة بينهم وكيف توفي بالسجن، ويوثق لثقل مقابر الارقام على الشعب الفلسطيني.

كما توثق الرواية دور المراة العربية الفلسطينية في النضال من اجل الحق والخير والانسانية من ارخابيلا الكنعانية التي استضافت في بيتها المغائريين القبيسيون الهاربين امثال استير من ظلم كهنة اليهود وتحالفهم مع القتلة مرورا بسلمى التي حافظت على عهد زوجها ياسر بان يظل ابنهما سالم سالم.

وكما ربت الكنعانية ارخابيلا ابنها نيقماد قبل 3000عام على الحب واحترام الاخرين والتعاطف معهم ربت سلمى سالم.

ومنذ 3000 عام رفض المغائريون الزواج حتى لا تصبح ذريتهم وقودا لجيش شيمعون لارتكاب التطهير العرقي وقتل المخالف، ومنذ ثلاثة الاف عام نربي ابنائنا على الحب والحياة، وهم، كهنة اليهود وحلفائهم من الاشكناز يربون اطفالهم على الحقد وقتل غيرهم ومخالفهم.

لقد اندهشت بشدة من قوة ايمان المغائريين اليهود الذين سجلوا اول انتحار جماعي تعرفه البشرية خوفا على دينهم، وخوفا من ان يظلموا اصحاب الارض الكنعانيين، الذين اووهم.

سالم وان كان في نظر الروائي بطل الرواية فانه من وجهة نظري يمثل فلسطين الوطن والشعب والارض، انه يمثل هوية الشعب العربي الفلسطيني مثل كل ملوك الممالك الكنعانية قبل 3000عام. وهو من سلالة الالاخ الريحاوي الكنعاني العربي

توثق هذه الرواية وفاء المراة الفلسطينية من ارخبيلا قبل 3000 عام الى سلمى الحداد وابريزا الميناوي وحمدة الضامن المساعيد وحتى الان

سلمى الحداد الطفلة الفلسطينية اللاجئة من قيسارية وريثة  الحضارة الكبارية التي قتل الاحتلال عائلتها  عام 1948 وربتها عائلة ياسر حتى كبرت وتزوجت واستشهد زوجها قبل ان تلد سالم، عاشت ويلات حرب عام 67 وابريزا الميناوي النابلسية  التي احتضنت سلمى وطفلها حتى استشهدت، ووطفة وصبحة وحمدة الضامن المساعيد. ولا تزال المرأة منذ 3000 عام  حامية وحاملة نارنا المقدسة. ولا تزال المرأة الفلسطينية على العهد تحبل من نطف طائرة طارت بالحب والوفاء من خلف قضبان المعتقلات لتستقر في حب وحنان لتنجب جيل يحب الحياة رغم قهر السجن والسجان

 

لقد اظهر مروان في هذه الرواية قيمة الصداقة لزياد وقيمة الوفاء لوالدته، حيث ضرب ضابط الاحتلال عندما وصف امه بكلمات غير لائقة تلقى على اثرها ضربا حتى ادخل المستشفى، وكيف ضرب سالم الحاكم العسكري انتقاما لصديقه زياد وهذه الحادثة حولته الى مطارد.

الانسان هو الانسان، تبرز الرواية انسانية الانسان بغض النظر عن دينه وقوميته وظروف حياته، وكيف يتنقل الانسان بين القداسة والعشق، بين الفضيلة والرذيلة، من استير واريا الى سالم واور. وبين الخيال والحقيقة.

لقد قال الفيلسوف الفرنسي روجي جارودي عن العرب:

انكم تقراؤون القران بعيون الموتى،

وهذه الرواية تستنطق الموتى، وتحاورهم.

 

من الحضار الكبارية الى الحضارة النطوفية 

من قيسارية مسقط راس سلمى الى نابلس الى اريحا

من الجبال المشرفة على البحر الميت

الى الجبال المشرفة على اريحا

من البحر الميت الى الاغوار

من الانسان الى الكهنة والغرب المتوحش

من الحديد والسيف والناس الى دمنا

يطوف بنا مروان سمرات

في رائعته

تحت سطح البحر.  

يا سالم بهذه الرواية ستبقى سالم، قي قلب كل من يقرأ هذه الرواية. وستقرا لوقت طويل وسيبقى سالم سالم مادام في الشعب الفلسطيني قارئ.

امل ان تترجم هذه الرواية الى اللغة الانجليزية كما امل ان تقدر هذه الرواية من اصحاب الاختصاص

ولنا يا مروان ولكم جميعا موعد اخر للحديث باسهاب عن هذه الرواية. 

محمد قارط ابو رحمة