"فتح" .. هل ما زالت مؤهلة لقيادة المرحلة؟

يناير 9, 2025 - 09:32
"فتح" .. هل ما زالت مؤهلة لقيادة المرحلة؟

د. فوزي علي السمهوري.

 في ذكرى مرور ستين عاماً على انطلاقة حركة فتح وقيادتها للثورة الفلسطينية، تبقى تساؤلات تدور في أذهان شرائح من الشعب الفلسطيني، وكذلك من أبناء الشعب العربي، ما دفعني للكتابة حول أهم تساؤلين،  الأول: هل حققت فتح أهدافها ؟ والثاني: هل لا زالت فتح مؤهلة لقيادة المرحلة بما تحمله من تحديات؟

  للإجابة على التساؤلين بموضوعية نحتاج ألا نغفل التأثيرات السياسية والجغرافية والعسكرية التي طرأت على المستويين الإقليمي والدولي، وانعكاساتها على الثورة الفلسطينية التي أدت إلى تغيرات أثرت سلباً، باستثناء معركة الكرامة عام ١٩٦٨ على مسار النضال الوطني الفلسطيني، بإعاقة تحقيق جميع أهداف حركة فتح العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني مفجرة الثورة الفلسطينية من عدوان حزيران ١٩٦٧، مروراً بمعركة الكرامة المجيدة، واجتياح لبنان ١٩٨٢، وحرب الخليج، وانهيار الاتحاد السوفياتي، وحلف وارسو إلى واقع الحال من المخطط الأمريكي بضمان إخضاع منطقة الشرق الأوسط لهيمنتها ونفوذها، استباقا لولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب .

 

الإجابة على السؤال الأول تستدعي أيضاً الوقوف على أهداف الحركة الصهيونية العنصرية المدعومة من قوى الاستعمار العالمي إلى جانب أهداف حركة فتح .

 إذا كان الحكم على تحقيق  الهدف الرئيس لحركة التحرير الفلسطينية "فتح" عند إنطلاقتها عام ١٩٦٥ المتمثل بتحرير فلسطين من نير احتلال إسرائيلي استعماري إحلالي لمساحة ٧٨ % من أرض  فلسطين التاريخية، وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام ١٩٤٨ فالجواب لا بحكم التغيرات السياسية والجغرافية التي طرأت على الدول المحيطة بفلسطين المحتلة خاصة  على الواقع الإقليمي لنتائج العدوان الإسرائيلي الذي استهدف كل من الجمهورية العربية المتحدة وسوريا والأردن في ٥/ ٦ / ١٩٦٧ باحتلال باقي أرض فلسطين "الضفة الغربية وقطاع غزة "، والجولان وسيناء، وما نجم عن ذلك من تراجع للخطاب السياسي العربي الرسمي من تحرير فلسطين، إلى إزالة آثار العدوان . 

  أما أهداف الحركة الصهيونية بأداتها إٍسرائيل صنيعة الدول الاستعمارية بإقامة دولة يهودية على كامل أرض فلسطين بما يعنيه ذلك من العمل على شن حروب إبادة، وتطهير عرقي متدرجه وبأشكال ووسائل متعددة، بهدف تهجير قسري لجموع  الشعب الفلسطيني الذين ينكرون وجوده أساساً في تناقض مع التاريخ وحقيقته، خارج وطنه التاريخي، وإدماجه بالمحيط العربي العام كلاجئ مجرد من هويته الوطنية العربية الفلسطينية، إعمالاً وتجسيداً للشعار الاستعماري بأن فلسطين أرض بلا شعب أعطيت لشعب بلا أرض .

  من الأهداف التي حققتها حركة فتح بقيادتها منظمة التحرير الفلسطينية والتفاف الشعب الفلسطيني بغالبيته الساحقة حول استراتيجيتها النضالية نحو إنجاز المشروع الوطني بإنهاء الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية بكافة الوسائل المكفولة دولياً، وفق  المشروع النضال الوطني الفلسطيني الذي أقرته منظمة التحرير بمؤسساتها، المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية التي تمكنت بذلك من إجهاض المخطط الإسروأمريكي الرامي إلى:

   ▪︎ تهجير الشعب الفلسطيني.

  ▪︎ تذويب هويته الوطنية ومحوها من سجل القضايا العالمية.

  ▪︎ شطب صفة شعب مناضل من أجل الحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس.

  ▪︎ إسقاط حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين للتخلص من الشاهد الحي على نتائج جرائم الإبادة والتطهير العرقي التي مورست ولم تزل بحق الشعب الفلسطيني وباستهداف مخيمات اللجوء الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها .

  ومن الأهداف التي نجحت في تحقيقها منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح أيضاً، بناء مؤسسات الدولة داخل أراضي الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال، واعتراف ١٤٩ دولة من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين كعضو مراقب وبتأييد ١٣ دولة وامتناع دولة "الفيتو الأمريكي الذي حال دون ذلك " من أعضاء مجلس الأمن للاعتراف بدولة فلسطين بكامل الحقوق على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧، إضافة لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدوراتها المتعاقبة بدعم حق الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة ودعم استمرار الأونروا للقيام بأداء عملياتها لحين حل قضية اللاجئين الفلسطينيين تنفيذاً لقرار الجمعية العامة رقم ١٩٤، وصدور قرار عن محكمة العدل الدولية بعدم شرعية وقانونية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة ومطالبتها مجلس الأمن والجمعية العامة بالعمل على تفكيك، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري وكافة التغييرات الجغرافية والديموغرافية التي مارستها سلطات الإحتلال الاستعماري الإسرائيلي بالاراضي المحتلة في انتهاك صارخ لميثاق وقرارات الأمم المتحدة، ولاتفاقيات جنيف عامة، والرابعة منها خاصة .

  هذه النجاحات التي تحققت تعود لتبني الاستراتيجية الفلسطينية القائمة على حشد العالم بمواجهة التعنت والصلف الإسرائيلي المدعوم أمريكياً واستنادا لقوة الحق الفلسطيني المكفول دولياً بدعم عربي رسمي وشعبي وفي مقدمتها الأردن والجزائر ومصر والسعودية والكويت ومن الدول الإسلامية والأفريقية وعدم الانحياز، وكافة الدول الصديقة كروسيا والصين والدول الأوربية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، ومن دعم شعوب العالم الحرة التي انتفضت ولم تزل مطالبة حكوماتها بوقف انحيازها ودعمها لإسرائيل ومنددة بجرائمه وداعمة لحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس  .

  وهل فتح مؤهلة لقيادة المرحلة؟ 

  ما تقدم يؤكد على أن منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح التي حققت الأهداف المذكورة أعلاه بالرغم من الفارق الهائل في ميزان القوة العسكرية والاقتصادية وبالصمود والثبات على أهدافها وعدم التنازل عن الثوابت الأساسية أمام الضغوط والمؤامرات الدولية التي استهدفت تقويض النضال الوطني الفلسطيني ومشروعيته، وبحكم العلاقات الأخوية المبنية على التعاون والثقة المتبادلة مع قادة الدول العربية والإسلامية والصديقة، كما مع شعوبها والقدرة على تعزيزها وتطويرها، قادرة ومؤهلة لقيادة المرحلة القادمة بتحدياتها مع ما تتطلبه من  : 

  أولاً: الدعوة لعقد المؤتمر الثامن في أقرب وقت ممكن لوضع استراتيجية عمل نضالية تتوافق وطبيعة التحديات والمتغيرات في المرحلة القادمة إقليمياً ودولياً داخل الأرض المحتلة وخارجها تعمل على كافة المسارات نحو  تحقيق إنجاز الهدف الرئيس بدحر الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، تنفيذاً للقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية الصادرة منذ عام ١٩٤٧ .

 ثانياً: رفع نسبة تمثيل مشاركة أقاليم الخارج إلى ما لا يقل عن ٤٠ % من أعضاء المؤتمر لأهمية التأثير العالمي بدعم نضالنا بأشكاله المكفولة دولياً .

 ثالثاً: وضع جدول أعمال ملزم للتواصل وبناء الشراكات الفاعلة مع نظرائها من الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية في مناطق إقامتها على امتداد دول العالم، لكسب المزيد من أشكال وآليات الدعم الشعبي والرسمي للمشروع الوطني الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال والمشاركة في فضح وتعرية الجرائم من قتل واعتقالات تعسفية ومصادرة أراض وتدمير المنازل والممتلكات وانتهاكات واقتحامات لمدن وقرى فلسطينية تشكل بمجملها جرائم إبادة وتطهير عرقي وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية .

 رابعاً: توثيق وتفعيل دور الجاليات الفلسطينية والعربية في تعزيز المشاركة والتواصل مع محيطها بمؤسساته ومكوناته .

 خامساً: العمل على إحياء وبناء لجان وهيئات دعم حقوق ونضال الشعب الفلسطيني وتأطير العمل والتنسيق مع الفعاليات التي انتفضت في أمريكا وأوروبا وباقي دول العالم، دعماً لفلسطين وتنديداً بإسرائيل وجرائمها وبالإنحياز الأمريكي والأوربي الرسمي للعدوان الهمجي الإسرائيلي في قطاع غزة وعموم أراضي فلسطين المحتلة .

 ما تقدم يتطلب أيضاً ضخ دماء جديدة في المواقع القيادية تتمتع بالكفاءة والقدرة على إنجاز المهام والأهداف، وفق الاستراتيجية الشمولية المعتمدة على كافة الأصعدة والمستويات .

 اتسمت علاقة حركة فتح بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الشقيقة والصديقة، ما أكسبها ثقة عالية بالتعامل مع قادة العالم، وهذا نهجها الذي يعبر عنه قادتها، وما العلاقة الخاصة المميزة مع الأردن قيادة وشعباً إلا نموذجاً.

فتح كانت وستبقى شعلة النضال الوطني الفلسطيني، فقوتها ووحدتها قوة للمشروع النضالي الوطني الفلسطيني الذي لن يتوقف بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني حتى دحر الاحتلال الإسرائيلي، ونيل الحرية والاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام ١٩٤٨ بإذن الله.