عبدالله توفيق كنعان, أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس
حقوق الإنسان منظومة متكاملة ومتأصلة من الحقوق لكامل البشرية، دون أي اعتبار للعرق والجنس والدين واللغة واللون أو غير ذلك من الفوارق المصطنعة بين المجتمعات، فحق الحياة والعيش بكرامة والحصول على الغذاء والتعليم والصحة وحرية التعبير وتقرير المصير، جميعها حقوق فطرية أساسية أقرتها الأخلاق والأديان والتفاهمات والاتفاقيات الدولية ، ولكنها أصبحت اليوم للأسف تُحارب باسم الحقوق المزعومة من جهات تدعي الديمقراطية والإنسانية، وما يجري في فلسطين من البحر إلى النهر من جرائم الاحتلال الوحشية تدلل على أن حقوق الإنسان التي ترعاها المنظمات وبعض الدول هي شعارات وممارسات تخضع لسياسة الكيل بمكيالين، حيث تؤيد بعض الدول قيام إسرائيل بجرائمها تحت شعار "الدفاع عن النفس"، متجاهلة حقوق الآخرين في العيش بسلام.
وبمناسبة الذكرى 76 لليوم الدولي لحقوق الإنسان الذي يتزامن مع إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 10 كانون الأول/ ديسمبر عام 1948م، ما زالت حقوق الإنسان تنتهك في فلسطين على مرأى ومسمع المنظمات والهيئات التي يفترض بها رعاية حقوق الإنسان، ليعيش العالم حالة مستعصية ليس فقط في مجال غياب حقوق الإنسان بل تغييبها المتعمد، واستغلالها في بعض الأماكن كسلاح لخدمة الأغراض السياسية، وذلك بتوجيه التهمة من البعض لآخرين ممن يتعارضون معهم في المصالح ، وهذا توجه يعتبر غير أخلاقي، ويساهم للأسف في نشر الكراهية والفوضى.
إن اللجنة الملكية لشؤون القدس تؤكد أن ما يجري على يد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والقدس، البلاد التي كانت مهد السلام والأديان ومعاهدات الوئام والكرامة الإنسانية، حيث خُطّت في مدنها المقدسة العهدة العمرية، ووثيقة البيعة بتأكيد الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، انتهاكات وجرائم إسرائيلية تستهدف القيم والشرعية الدولية، من خلال ممارسات الإبادة الجماعية التي اشتدت، وتسارعت بعد السابع من أكتوبر عام 2023م، والمتمثلة بالقتل والأسر والتجويع والتشريد والتهجير وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات، ومقار المنظمات الدولية وجمعيات المجتمع المدني التي تقدم الخدمات الإنسانية الاجتماعية.
إن التاريخ الطويل والعريق الذي عاشته منطقتنا في ظل ثقافة حضارتنا العربية والإسلامية، وما اشتملت عليه من تعاليم دينية وممارسات عملية في العلاقات الدولية، نسف على يد رئيس ووزراء الحكومة اليمينية الإسرائيلية المتطرفة وزعماء وقادة وحاخامات الأحزاب الصهيونية المتمسكة بالأساطير التوراتية المزورة، ما يجعل العالم اليوم وبكافة مكونات ومؤسسات المجتمع الدولي أمام تحديات صعبة وخطيرة تهدد دعائم السلام والأمن وحقوق الإنسان وكرامته في العالم، فما نحتاجه اليوم هو قوانين ومبادرات دولية فعالة تلزم إسرائيل بوقف جرائمها، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وتطبيق ميثاق حقوق الإنسان، وعلى الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني تفعيل دورها في فضح ممارسات الاحتلال، وتوثيق تعدياته والمطالبة بمحاكمة منتهكي حقوق الإنسان من زعاماته، والعمل أيضاً على نشر ثقافة حقوق الإنسان وثقافة حمايتها ورعايتها في المجتمعات المظلومة التي تتعرض للتطهير العرقي، وفي مقدمتها حقوق الشعب الفلسطيني.
وسيبقى الأردن مهما كان الثمن، وبلغت التضحيات، شعباً وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، يتمسك بموقفه الراسخ في دعم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة العادلة، وسيبقي الأردن رسالة عمّان برمزيتها المرتبطة بالسلام والحقوق رائداً ونموذجاً عالمياً في الدفاع عن حقوق الإنسان.