سوريا على مفترق الطرق.. أسئلة تطرحها التحولات الجارية
مروان اميل طوباسي
هل يمكن فهم ما يحدث في سوريا اليوم دون تساؤلات محورية؟ كيف نقيّم ما يجري في ظل التحولات السياسية والإقليمية المعقدة؟
باعتقادي، من الصعب النظر إلى الوضع السوري دون أن نطرح بهدف التفكير معا، بعض الأسئلة الأساسية التي يمكن أن تفتح باباً واسعاً للتفكير حول مستقبل البلاد والمنطقة بشكل عام، وتداعياته على قضيتنا الوطنية الفلسطينية التي تواجه تحديات كبرى في الوقت نفسه.
أولاً: هل تحول سوريا نحو ديمقراطية حقيقية ممكن في ظل التدخلات الخارجية؟
في الوقت الذي يروّج فيه البعض لتحولات ديمقراطية في المنطقة، يبرز السؤال التالي، هل سوريا قادرة على أن تشهد تحولاً ديمقراطياً حقيقياً في ظل استمرار التدخلات الخارجية من الولايات المتحدة وتركيا وإيران؟ هل تسهم هذه التدخلات في تحقيق إرادة الشعب السوري، أم أن هناك أجندات أخرى تحكم مسار الأحداث، بما يعزز الفوضى ويكرس الانقسام؟
ثانياً: هل اختيارات الشعب السوري تظل حرة في ظل الضغوطات الخارجية؟
مع استمرار العنف السياسي والتدخلات الأجنبية، هل يمكننا القول إن الشعب السوري هو الذي يختار قياداته بحرية؟ أم أن القوى الكبرى، من خلال دعمها لبعض الأطراف المعارضة أو حتى النظام السابق، تفرض واقعاً سياسياً يصب في مصالحها الخاصة أكثر من مصلحة الشعب السوري نفسه؟
ثالثاً: هل الانتقال السلس للنظام يعكس صفقة دولية؟
من ناحية أخرى، يبرز سؤال محوري حول ما إذا كان الانتقال "السلس" الذي شهدته دمشق بالخروج الآمن للأسد، وما إلى ذلك من تصريحات عدد من رموز النظام السابق، ودون مواجهات عسكرية كبرى يعكس وجود صفقة دولية أو إقليمية. هل يمكن أن تكون روسيا وإيران وتركيا قد اتفقت على ترتيب خروج آمن لبعض رموز النظام مقابل تسهيل دخول الميليشيات إلى دمشق؟ وهل كانت الولايات المتحدة على دراية بذلك؟ الإبقاء على بعض الرموز دون محاسبة رغم كل ما حدث قد يشير إلى ترتيب يهدف إلى ضمان استقرار نسبي يخدم مصالح الجميع، دون الالتفات لمطالب الشعب السوري بالعدالة والحرية.
رابعاً: أين مصالح إسرائيل في هذه التحولات؟
إسرائيل، رغم تواجدها في خلفية التحولات السورية، تجد مصالحها في تعقيد المشهد السوري أكثر من تسهيل استقراره. التصعيد الأخير على الأراضي السورية، بما في ذلك الهجمات العسكرية الإسرائيلية واحتلال المناطق ، يشير إلى أن تل أبيب تسعى لتعزيز وضعها في المنطقة عبر استثمار الفوضى السورية. كما أن توغل إسرائيل في الأراضي السورية يعكس طموحها لتحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد، ليس فقط لمواجهة النفوذ الإيراني وحزب الله، بل لإبقاء سوريا ضعيفة وأراضيها وأجوائها مستباحة ضمن مفهوم الاحتلال المجاني، ما يضمن لإسرائيل التفوق الأمني والعسكري والتواجد على أراضيها.
خامساً: تواجد الميليشيات الجهادية والتكفيرية ودورها في المشهد السوري.
مع تزايد نفوذ الميليشيات الجهادية والتكفيرية في الشمال الغربي وبعض المناطق الأخرى، تبرز تساؤلات حول قدرتها على بناء مجتمع مدني ديمقراطي. وجود هذه الجماعات، التي غالباً ما تخدم مصالح أطراف خارجية، يضيف تعقيداً جديداً للمشهد السوري وبالمنطقة ضمن دور لاحق لها، كما حصل بما سمي بالربيع العربي. فبينما تقف القوى الوطنية الديمقراطية الحقيقية على الهامش، تبدو هذه الجماعات أداة لتعزيز الانقسام وتكريس الفوضى، بما يتماشى مع مصالح داعميها الإقليميين والدوليين خاصة وأن معظمها قد تفرّع عن داعش وغيرها.
إن هذه الأسئلة ليست مجرد ترف فكري، بل محاولة للتفكير بصوت عال في محاولة استشراف الوضع القادم، بما تمثله من أبعاد جوهرية للأزمة السورية اليوم. التحولات الجارية تعكس شبكة مصالح متداخلة، من القوى الدولية مثل الولايات المتحدة وروسيا، إلى الأطراف الإقليمية كإيران وتركيا وإسرائيل. ورغم الحديث عن الديمقراطية، يبقى الواقع محكوماً بأجندات خارجية تحاول فرض سيطرتها على سوريا كجزء من صراعات أوسع في المنطقة.
يبقى السؤال الأهم، هل يمكن للسوريين أن يلتقطوا زمام المبادرة ليحددوا مستقبلهم بأنفسهم؟ أم أن الأزمة السورية ستظل لعبة في أيدي القوى الخارجية، تُعاد صياغتها بأسماء وأشكال جديدة؟ الإجابة ليست سهلة، لكنها تبدأ من إدراك عمق التعقيد في المشهد، والعمل على بناء رؤية وطنية شاملة بعيداً عن الضغوط والتدخلات.
إذن، وأمام هذا المفترق الحاسم، تبدو سوريا أمام خيارات مصيرية ستحدد ليس فقط مستقبلها، بل أيضاً توازنات المنطقة بأسرها. ومع ذلك، لا يمكن فصل ما يجري في سوريا عن المخطط الجيوسياسي الأوسع الذي تم التمهيد له منذ عقود. من رؤية هنري كيسنجر في السبعينيات، إلى مشروع "الربيع العربي" الذي تبنته كونداليزا رايس، وصولاً إلى تصريحات دونالد ترامب حول "صغر خريطة إسرائيل"، يبدو أن التحولات الجارية تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم تحقيق مشروع "إسرائيل الكبرى".
هذا المشروع لا يتوقف عند سوريا، بل يمكن أن يمتد ليهدد استقرار العراق والأردن، وطبعاً لبنان لاحقاً وما يتوقع أن يجري من تنفيذ لمشروع الضم بالضفة الغربية، وإنشاء الكانتونات، حيث تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى تطويع كل المنطقة لمصلحتهما، بما يضمن القضاء على أية إمكانية لنهضة مشروع قومي عربي والحد من أي نفوذ روسي صيني بغض النظر عن محتواه، في محاولات دفن القضية الوطنية الفلسطينية والحقوق التاريخية لشعبنا الفلسطيني.
الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى إليه هذه القوى لا يعبر فقط عن خريطة جغرافية موسعة لإسرائيل، بل أيضاً عن هيمنة اقتصادية وأمنية تكرس تبعية المنطقة وتفكيك أية مقاومة ممكنة للمشاريع المطروحة. في ظل هذه الرؤية، تزداد أهمية السؤال عن قدرة الشعوب العربية على التصدي لهذه المشاريع، واستعادة المبادرة لتحقيق مستقبل يخدم مصالحها الوطنية والقومية بعيداً عن التبعية.