جرعات طبيعية للتعافي من الضغوطات النفسية
د. غسان عبدالله
يميل الغالبية من المختصين في علاج الاضطرابات السلوكية، إلى الطلب من المراجعين استعمال أدوية من أجل التعافي أو على الأقل خفض منسوب حالة الاضطراب النفسي التي يعانون منها. مما لا شك فيه، أن غالبية هذه الأدوية هي مصنّعة وتحوي مواد كيماوية، وبالتالي حتما ستكون لها مضاعفات على من يتناولها، أسرعها التسبب في حالة من الإدمان .
في الوقت ذاته، هناك من يعمد من المختصين إلى عدم اللجوء لتلك العقاقير والاكتفاء بنصح المراجعين باستعمال فقط مواد وأمور طبيعية قد تفي بالغرض المطلوب، من بين هذه المواد الطبيعية، أقترح هنا :
- دوام التشبث بتقوى الله ومخافته والعمل بموجب هديه، فتراه يقدم على عمل المزيد من أعمال الخير والصالحات، وينفق مما أعطاه الله دون منة ورياء أو انتظار المقابل من الناس. مثل هذا السلوك يقود إلى حالة من الرضا عن الذات وراحة البال والطمأنينة النفسيّة، وفق ما ورد في الأديان السماوية قاطبة، كما جاء في القراّن الكريم "إن المتقين في مكان أمين" الآية 51 سورة الدخان، " ... والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم" الآية 2 سورة محمد.
يسعى الإنسان التقي دوماً في عمله لنيل الآخرة دون التركيز على الحياة الدنيا كونها متاع الغرور،
فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" الآية 40 +41 ، سورة النازعات.
- ضرورة دوام التدبر والتركيز في الظواهر الطبيعية المحيطة بالشخص، والابتعاد عن الإغراق في النوم طويلاً والمبالغة في الحذر والخوف، الذي هو عقبة رئيسة في مسارك نحو المستقبل، كي نتجنب الكسل والمماطلة لاحقاً.
- دوام الإكثار من البسملة لدى النيّة للقيام بعمل/ سلوك ما، اذ أسهل شيء هو ارتكاب الغلط، وأصعب شيء هو دفع ثمن غلطك هذا، كالقيام بتشويه الآخرين وتحميلهم مسؤولية خطئك، "ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئاً، فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا" الآية 112- سورة النساء، مثل هذا السلوك من شأنه دوام تأنيب الضمير ( إذا كان ضميراً متصلاً حياّ). نرى البعض من يتفاخر بالجهر بالسوء، وهذا عامل نشط في تأجيج الضغوطات النفسيّة، وبالتالي إحداث اضطرابات سلوكية عند الشخص المضطرب، وليكن لدينا التزام وثيق بقول العلي القدير في الآيتين الكريمتين -148 و149 من سورة النساء " لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا، إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا "، وقوله تعالى " إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا " الآية 168 من سورة النساء، لنتأمل يسر الطلب وعظمة الثواب! وهذا يذكرنا بضرورة الحرص الشديد على الاتعاظ بسلوك السمكة، فالسمكة التي تفتح فاهها، يسهل اصطيادها، وكذلك الإنسان الذي يجب عليه الحرص من دوام التكلم والثرثرة، حتى لا ينبس بكلمات/ أقوال، أو الخوض في أعراض الناس وتتبع عوراتهم، كل هذ يسهم في المزيد من المشاكل والمتاعب مع الآخرين.
- القناعة بأن لكل مشكلة حلاً وأحياناً أكثر من حل، وبالتالي لا داعي إلى الإفراط في القلق الذي هو بمثابة الكرسي الهزاز، إذ يشعرك بالحركة، لكنك لا تتحرك قيّد أنملة، لمثل هذه القناعة دور كبير في مواجهة الاضطرابات السلوكية. في هذا الجانب، يتوجب تعزيز القناعة الذاتية للشخص وتذويتها داخلياً، بأن رضا الله، والرضا عن الذات في كل ما يفعل ( أكل لباس ) هي الأساس مع الحرص على عدم التسبب بأي أذى للآخرين، كون رضى الناس غاية لن تدرك، عندها لن تخشى في الحق لومة لائم، مدركاً أن للبحر مداً وجزراً، ومثلما هناك خبز وهواء، يبقى هناك الأمل دوماً بتغير الأحوال من فقر ونقص إلى رغد واكتفاء، وللزمن صيف وشتاء، أما الحرية والكرامة فلا يمكن التحول والتخلي عنها أو تغييرها، وأن ما يجعلك تشعر بالسعادة هو كونك مفيداً للآخرين، ولست حجر عثرة في حياتهم ومستقبلهم، وليكن جزءاً من قناعاتك إن أفضل عمل يرضاه الخالق منك هو العفو ومسامحة المخطىء معك دون التنازل عن مبادئك الأساسية وعقيدتك وإيمانك القوي الذي هو أسلم وأنجع طريق لإنجاز أهدافك .
- ثبت أن المشي حافياً على الرمل والتراب، يحرّر الشخص من الطاقة السلبية عبر تفريغ الشحنات الكهربائية الزائدة، كما هو السير بمحاذاة البحر، أيضاً. إن قضاء وقت طويل تحت الشمس في وقت الذروة، من شأنه زيادة فعالية الحامض النووي عند الشخص الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من الهيجان والانفعالات المبالغ بها.
-مما يساعد المرء على خفض منسوب أثر الضغوطات النفسيّة، وبالتالي الحد من حدوث اضطرابات سلوكية، قيامه بممارسة الرياضة ( بكافة أشكالها روحية كانت أم جسدية - جري، ركض....إلخ)، وممارسة تمرين الشهيق والزفير لعدة مرات يومياً، ما يعمل على خفض مستويات الغضب والعصبية عند الفرد .
- تجنب سوء الظن بالآخرين أو السخرية واللمز واستغابة الآخرين ( أكل لحم أخيه حيأ) والذي نهانا سبحانه وتعالى عن هذه الأفعال المشينة، ولنبتعد عن الإفراط في التفكير السلبي وترديد أقوال لها انعكاسات نفسية سلبية مثل: الأخ فخ والأقارب عقارب.
- الحرص على تناول الوجبات الغذائية الصحية من فواكه وخضار، مع الابتعاد قدر الإمكان عن تناول المشروبات الغازية .
إذا ما قمنا بانتهاج وتذويت ما تم ذكره أعلاه، نكون قد تناولنا مصلاً/ أمصالاً لا يزول أثرها كبقية الأمصال المصنّعة الأخرى، لا سيما في زمن القبول بتحول مبدأ الحرام إلى مصطلح عيب، ومن ثم شطارة وحرية شخصيّة، كما هو الحال في أيامنا هذه.