في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.. مطلوب تغيير آليات التضامن
في سابقة لم يسجل التاريخ مثيلاً لها، يتم ارتكاب جريمة على يد القوى الاستعمارية استهدفت اقتلاع شعب من وطنه التاريخي، لإحلال مجموعات دينية من أصقاع العالم بديلاً عنه، فكان قرار عصبة الأمم بفرض الانتداب البريطاني على فلسطين لتنفيذ إعلان بلفور بإقامة دولة مصطنعة لليهود في فلسطين في سابقة أخرى لصناعة كيان عدواني على أسس دينية، وأطلقت عليهم وصف "شعب" خلافاً لطبيعة الأديان التي يعتنقها شعوب العالم بأعراقهم المختلفة، وإلا لكان هناك شعب مسيحي واحد في العالم تحت مظلة دولة واحدة على سبيل المثال.
تعرض الشعب الفلسطيني لحرب إبادة وتطهير عرقي بأشكالها ووسائلها المختلفة، من عمليات قتل وتدمير وتجويع وغيرها، ارتكبتها قوات المستعمر البريطاني بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من السلاح، إما منفردة أو بدعم وتمكين من العصابات الصهيونية اليهودية أو بالشراكة توجتها بريطانيا وأمريكا وفرنسا بانتزاع القرار 181 بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية والصادر في 29- 11 - 1947 مبقية على 45 % من مساحة فلسطين للشعب الفلسطيني لإقامة دولته التي لم تر النور حتى الآن، بحكم انحياز قوى الاستعمار العالمي بقيادة أمريكية وبريطانية بتبني استراتيجية تقضي بحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساس في الحرية وإقامة دولته المستقلة .
الشعب الفلسطيني أسوة بباقي شعوب العالم انتفض وأطلق ثورته في 1-1-1965 في وجه الظلم والاضطهاد الذي تعرض له، ولم يزل يئن من وطأة استمرار الاستعمار الإحلالي الإسرائيلي لوطنه من أجل تحقيق أهدافه الوطنية في الحرية والاستقلال وإقامة دولته المعترف بها دولياً بموجب قرار التقسيم.
ونتيجة للانحياز الأمريكي والأوروبي للكيان الاستعماري الإحلالي الإسرائيلي، وتنكره لمسؤولياته تجاه الشعب العربي الفلسطيني بتمكينه من إقامة دولته المستقلة تنفيذاً للشطر الثاني من قرار 181، تداعت الدول الحرة التي تؤمن بحق الشعوب بتقرير المصير وبتصفية الاستعمار إلى اسصدار قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتخصيص يوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، أي مع نضاله بكافة الوسائل المكفولة دولياً حتى تحرره من نير الاستعمار الإسرائيلي العنصري، وليشكل دعوة لدول العالم بالعمل على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، تنفيذاً للقرارات الدولية، فكان يوم التضامن الصادر عن الجمعية العامة عام 1977 هو ذات اليوم لصدور قرار التقسيم، ليذكر بما لحق بالشعب الفلسطيني من كوارث وجرائم ومجازر لا تسقط بالتقادم، مما يتطلب بل ويوجب ضمان معاقبة مرتكبيها وداعميها أمام المحاكم الدولية الخاصة أو حالياً الجنائية الدولية.
بعد مضي77 عاماً على قرار التقسيم و47 عاماً على قرار تخصيص يوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني وبالآليات والوسائل المتبعة على مدار العقود السابقة، لم تتم استجابة أو انصياع الكيان الاستعماري الإسرائيلي للإرادة الدولية بتنفيذ قراراتها، مما يرتب على دول العالم المحبة للسلام والمعترفة بالدولة الفلسطينية والملتزمة بمبادئ وأهداف الأمم المتحدة أن تنتقل بتعبيرها عن دعمها وتضامنها مع حق الشعب العربي الفلسطيني الأساس بالحرية والاستقلال إعمالاً لميثاق الأمم المتحدة، وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللعهود والمواثيق والاتفاقيات الدولية من مربع إقامة الفعاليات بأشكالها المختلفة، وإصدار البيانات والتصريحات، وإقامة المعارض على الرغم من أهميتها إلى مربع الفعل بالعمل على اتخاذ الإجراءات اللازمة والكفيلة بإرغام إسرائيل على إنهاء احتلالها لأراضي الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دولياً، وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948. ومع الإصرار والتعنت الإسرائيلي الأمريكي في عدم تنفيذ أو الاستعداد لتنفيذ أي من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة أو قرار محكمة العدل الدولية بعدم شرعية وقانونية الاحتلال ودعوته مجلس الأمن والجمعية العامة للعمل على تفكيك وإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 1967 خلال مدة زمنية أقصاها 12 شهراً من صدور القرار، ووفق جدول زمني محدد. وحتى لا تبقى القرارات شكلية المطلوب اتخاذ إجراءات عملية منها:
أولاً: قطع جميع أشكال العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع الكيان الإسرائيلي وتخفيض مستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية والأوربية داعمة هذا الكيان والتي تمكنه من الإفلات من المساءلة والعقاب على ارتكاب جرائمه والتنصل من التزاماته بتنفيذ قرارات مجلس الأمن تنفيذاً للمادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة.
ثانياً: العمل على استصدار قرار من الجمعية العامة بتجميد عضوية إسرائيل لعدم الإيفاء بتنفيذ القرار 273 الذي اشترط لقبولها عضواً بالأمم المتحدة تنفيذ قراري رقم 181 و 194.
ثالثاً: استصدار قرار عن الجمعية العامة بعزل وفرض العقوبات على إسرائيل المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.
رابعاً: مخاطبة أمريكا بلغة المصالح، بعيداً عن خطاب المناشدة والاستجداء لاحترام مسؤولياتها كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن بالعمل على فرض تنفيذ القرارات الدولية، ولعدم استخدام الفيتو خلافاً لأهداف ومقاصد الأمم المتحدة، بحفظ الأمن والسلم الدوليين، وما يتطلبه من وقف تزويد الكيان الإسرائيلي المارق بالسلاح.
خامساً: تشكيل جبهة دولية عريضة تلزم إسرائيل بتفكيك أسلحة الدمار الشامل بما فيها النووي.
سادساً: ملاحقة الكيان الإسرائيلي قضائياً لدى المحاكم الدولية ولدى محاكم الدول ذات عالمية الولاية القضائية .
إن تنفيذ ما تقدم مطلوب ليس فقط دعماً لفلسطين وحق شعبها في الحرية والاستقلال، وإقامة دولته المستقلة فحسب، بل إعلاء لسمو الشرعة الدولية، ودعماً لترسيخ الأمن والسلم الدوليين، وإعادة الاعتبار لهيبة الأمم المتحدة التي تتعرض لأعتى أشكال الاستخفاف والتمرد من أمريكا وأداتها إسرائيل؟
إن القرارات الدولية دون ضمان وفرض تنفيذها تقوض الأمن والسلم الدوليين، كما تؤكد على ذلك استراتيجية قادة الاحتلال باعتبار أن القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ما هي إلا حبر على ورق، وبالتالي رفض تنفيذها بعنجهية وغطرسة بالغين.
إن التضامن مع فلسطين بالعمل الجمعي سيؤدي حتماً إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس، وأما الاكتفاء بالآلية السابقة فيعني استمرار حرمان الشعب الفلسطيني من الحرية وتقرير المصير.
فمتى سيتم الانتقال إلى مربع الفعل؟