سيادة العراق ولبنان في خندق واحد

نوفمبر 24, 2024 - 15:18
سيادة العراق ولبنان في خندق واحد

كريستين حنا نصر

قدمت اسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها (جدعون ساعر) شكوى للأمم المتحدة ، مضمونها حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها بالرد على هجمات الفصائل العراقية ، وقد ركز في الشكوى المقدمة إلى مجلس الامن على القرار الاممي رقم 1546 الصادر في 8 حزيران/ يونيو 2004م، وبالتحديد الفقرة رقم (17) منه، والتي تنص على أن هناك التزامات تقع على الدول الاعضاء ، وهنا المقصود العراق بالامتناع عن ايواء الارهابيين أو تزويدهم بالسلاح وتحميلهم وتحميل الحكومة العراقية مسؤولية ما سيحصل على أراضيها.

   حيث اتهمت اسرائيل الفصائل العراقية الستة منها بالتحديد وهي : عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وألوية منظمة بدر وحركة النجباء وأنصار الله الأوفياء وأخيراً كتائب سيد الشهداء  ، وجميعها تتحمل مسؤولية تزايد عدد الهجمات والضربات تجاه العمق الاسرائيلي ، من خلال اطلاق المسيرات والصواريخ ، وبالتالي فإن الدولة العراقية نتيجة لذلك تتحمل وحدها مسؤولية ما يحصل على أراضيها ، وبناء على ذلك فإن اسرائيل تطلب من العراق منع هذه الفصائل المسلحة من ضرب اسرائيل ، واذا لم تستطع العراق وقف هجمات الفصائل فإن اسرائيل سوف تقوم بضرب العراق لوضع حداً لها ، وحتى الان فان العراق لم تتمكن النأي بنفسها عن سلوك وانتهاكات الفصائل المسلحة ، وهذا يعني إمكانية قيام اسرائيل شن هجمات على الفصائل الموجودة على الاراضي العراقية مما يؤشر الى امكانية تفجير الوضع في المنطقة والاتجاه نحو تصعيد خطير ، واذا ما استمرت الفصائل المدعومة من ايران في ضرباتها فان هذا قد يدفع نحو هجوم اسرائيلي على العراق ، يستهدف قيادات الفصائل تماماً كما يجري في سوريا ولبنان.

وما زال العراق يواصل حتى الان الضغط على اسرائيل لمنعها من ضرب العراق ، حيث  دخلت امريكا على الخط الدبلوماسي بتواصلها مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ، والذي شدد بدوره على معاهدة الاطار الاستراتيجي التي وقعها العراق مع الولايات المتحدة الامريكية ، والمتضمنة الدفاع عن أمن العراق ، وهنا يؤكد الطرف الأمريكي عدم توصله الى حل مع اسرائيل يمنعها من شن ضربة على العراق ، لذا و على ما يظهر فان هذه الواسطات انتهت ولم تحقق شيئاً ، خاصة أن الدولة العراقية للأسف لم تنجح في السيطرة على هذه الفصائل المدعومة من ايران والتي حتماً تمس بالسيادة العراقية ، وهذه الشكوى الاسرائيلية الى مجلس الامن  هي بمثابة الوصول الى خط المواجهة مع الدولة العراقية ، سواء رضيت أو لم ترضى بذلك، وإنها هي مشكلة العراق وعليه تقبل الأمر الواقع.

للأسف فان انتهاك الفصائل لسيادة العراق هي حتماً ستكون بمثابة حالة احراج كبير للمرجعية في النجف ، بمعنى انه يجب ان تكون الحالة لاسلاح الا سلاح الدولة العراقية ، لذا فإن المرجعية  تبرء نفسها من تصرفات الفصائل ، وأيضاً للاسف منذ الاطاحة بحكم صدام حسين وحتى اليوم ، فقد بات واضحاً تزايد النفوذ الايراني في كامل مفاصل الدولة العراقية ، وباتت مسألة حصر السلاح بيد الدولة العراقية أمراً مستحيلاً  في ظل وجود الفصائل، وتماماً هو الحال المشابه في لبنان ، فالحالة هي أن سلاح حزب الله يطغى على الدولة والجيش منتهكاً بذلك سيادتهم مجتمعين معاً ، ففي لبنان لم يستطع آموس هوكشتاين المبعوث الأميركي إلى لبنان الوصول الى صفقة وقف اطلاق النار، والملفت انه التقى نبيه بري الذي يمثل حزب الله وهو ليس الدولة اللبنانية وليس أيضاً وزيراً أو عضواً في الحكومة اللبنانية ، ولا يمثلها بل هو رئيس للبرلمان ، والعرف أن يتم التفاوض مع الوزراء الذين هم من يمثلون الحكومة ، وبعدها التقى هوكشتاين مع ميقاتي رئيس الوزراء اللبناني ، ومن الواضح للاسف أنه لاسيادة سياسية للدولة اللبنانية في ملف المفاوضات ، ولا سيادة عسكرية على أراضيها للجيش وحتى الآن لم يحصر السلاح بيد الدولة ، ولم يطبق ايضاً القرار الأممي رقم 1701 ولم تستطع لبنان أن تنتخب رئيس للبلاد حتى اليوم ، وكل ما يدور في هذا الاطار ليس سوى تصريحات بدون تنفيذ على ارض الواقع.

الحرب مستعرة على الحدود الجنوبية اللبنانية بين اسرائيل وحزب الله ، واسرائيل تتقدم وقد استطاعت الوصول إلى مسافة  ما يقارب (6) كيلومتر في العمق اللبناني ، وتهدف بذلك من تحقيق مناخ ميداني يساهم في قدرتها على فرض تطبيق القرار 1701 ومنع حزب الله من تهديد الشمال الاسرائيلي وارجاع مواطنيها للشمال كما تزعم ، وللاسف الجيش اللبناني غير متواجد للدفاع عن اراضيه في جنوب لبنان.

   الضربة الاسرائيلية باتت وشيكة وامكانية جر العراق الى حرب اقليمية في المنطقة أصبح وارداً ، وللاسف كل مرة تطالب الحكومة العراقية الفصائل بوقف ضرباتها على اسرائيل لكنها لا تستجيب، وهنا اصبحت الفصائل تزيد من ضرباتها أي انها عملياً تتحكم في قرارات الدولة العراقية السيادية والشرعية ، وعدة مرات صرح الكعبي وبالاخص في فترة بداية الصراع في غزة أن قرار السلم والحرب في العراق محصور بيد المقاومة وأنهم ينتظرون دائماً أوامر الولي الفقيه  في ايران ،  وهذه التصريحات من قبلهم تعني أن الدولة العراقية عاجزة  وان الشرعية هي فقط بأيديهم ، وهذا الكلام والتصريحات هي مماثلة لما يقوم به حزب الله في لبنان وهذه التصريحات الفردية من شأنها أنها أفقدت لبنان والعراق شرعيتهم وسيادتهم وجعلت من قرار الدولة المفترض واقعاً تمّ الهيمنة عليه  وأصبح فعلياً شبه معدوم.

وهنا السؤال المهم الذي أريد طرحه هو : هل قرار الدولتين اي العراقية واللبنانية بالحرب أو السلم هو في زمامهم  وسيطرتهم العملية ؟ ، وحقيقة هذا هو الموضوع الاساسي ، وحتى لو أن الدولة ضعيفة الا أنها وحدها  من ناحية قانونية هي من تملك الشرعية  فقط ،  وبالتالي لا يجوز ان تكون هناك مجموعة خارج نطاق الدولة والشعب والمجتمع بكامل اطيافه وتدعي احتكار الثورة والشرعية وتملك وحدها قرار شن الحروب بديلاً عن الدولة ، وتدخلها وبدون ارادتها في الحروب ، والتي هي بالاساس لم تكن صاحبة القرار فيها، وغالباً نجد بأن هذه الفئات والفصائل لا تمثل عملياً اغلبية المجتمع الموجودة فيه ، بل عدد قليل من شعب الدولة الموجودين فيها ، و هي التي تنوب عن الدولة في تقرير مصيرها بالحرب أو السلم !.

فعلى سبيل المثال المرجعية العراقية السيستاني يقول ( حصر حمل السلاح في العراق بيد الدولة) ، ولكن عملياً هل يمكننا القول أن الدولة العراقية قادرة على فرض سيادتها وسيطرتها والاخذ بزمام الامور جميعها وعلى كافة المستويات؟ ، والسؤال نفسه مطروح بالنسبة للدولة اللبنانية ؟ ، شخصياً اعتقد ان الدولتين معاً  تعاني كل واحدة منهما من وجود الفصائل والاحزاب المدعومة من ايران  والتي تمس من شأنها المساس بسيادتهم ، وحتى الان لم يتمكن العراق ولبنان أيضاً من فرض سيادة مطلقة للدولة ، وللاسف نجد أن الفصائل هي من تتحكم في قرار شن الحرب بدلاً من الدولة ، وفي الدولتين بات من الواضح أن الصراع هو فقط محصور بين الفصائل واسرائيل ، وليس الدولة العراقية أو الدولة اللبنانية ، واجمالاً الدول تبحث عن الحلول الدبلوماسية والسياسية قبل أن تدخل في حالة حرب ، فعلى سبيل المثال اذا ارادت العراق او لبنان أن تحارب من اجل تحرير فلسطين من اراضيها فهو قرارها هي السيادي فقط، وهذا هو شأنها هي ولها الشرعية في أخذ مثل هكذا قرار سواء شن الحرب من عدمه.

هنا بات واضحاً أن الدولة والشعب واردتهم مغتصبة ومغلوب عليها من مجموعات وفصائل واحزاب من المجتمع ، مدعومين من دول اخرى مثل ايران كما هو الحال تماماً في لبنان والعراق ، واعتقد شخصيا كون العراق ولبنان لم يتمكنوا حتى اللحظة من فرض سيادتهم الكاملة على اراضيهم ، وحتى الان يتواجد في اراضيهم فصائل تتصرف خارج نطاق ارادة الدولة ، فان اسرائيل سوف تستغل هذا الوضع المتمثل بالضعف وسوف تقوم بشن حربها وضرباتها على الارض العراقية ، للقضاء على هذه الفصائل كما حدث في لبنان ، فالسيادة اصبحت مخترقة من اسرائيل والفصائل على لبنان والعراق ، واسرائيل على ما يبدو سوف تسعى الى تقليص قدرات الفصائل في العراق عسكرياً وانشطتهم بشكل كلي ، وهذا حتماً سيقود تدريجياً الى تقليص النفوذ الايراني في العراق واعتقد ايضاً بأن هذه  النتيجة والتطورات المحتملة اذا ما حدثت، فانها ستقود وبطريقة غير مباشرة الى تمكين الدولة العراقية من استعادة سيادتها، وستتمكن  بذلك من الالتفات الى الشأن الداخلي ومن الاهتمام اكثر بشؤونها ومصلحتها الوطنية وبناء وترميم الدولة العراقية ، حيث المكون الشيعي العراقي الحاكم في العراق سيكون تركيزه وبرنامجه الولاء  المطلق لمصلحة وطنه وبلده العراق فقط. 

ولا أنكر  نقطة مركزية هنا وهي أن هناك حق مشروع للمقاومة ولكل الشعوب المحتلة بما في ذلك حق الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب في تحرير اراضيه ، ولكن يجب الالتفات الى قضية مهمة، وهي أن المقاومة يجب ان تكون ضمن برنامج واستراتيجية مدروسة جيداً ، تضع في اعتبارها وحسابها سيادة الدول، وفهم عميق وشامل للأوضاع الاقليمية ، وليس مقاومة مغامرة تستمر خسائرها على حساب قتل شعبها وتهجيره وتدمير مدنه واضعافها للدولة ، وهو أمر ينتج عنه  تدهور الدولة ورجوعها الى الوراء سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، وذلك بسبب هذه الحروب المفروضة عليها من قبل هذه الجماعات والفصائل والتي لها مرجعيات عقائدية من خارج الدولة تتحكم بادارتها وتوجيه بوصلتها ، وهذه الشعارات التي ترفعها الفصائل لم يتحقق منها شيئاً بل بقيت كلاماً فقط.

العراق هي الآن جزء من التحالف الدولي المقام دولياً ضد خطر داعش ، وقد تمّ انضمامها لهذا التحالف بعد احتلال مدينة الموصل من قبل داعش، وما اسفر عنه من تدمير للمدينة وقتل وتهجير للاقليات فيها ، وما تزال المدينة وبعد ما يقارب عقد من الزمن مدمرة ، لذا اتمنى أن يسترجع العراق ولبنان سيادتهم الشرعية على البلدين، ويصبح القرار عراقي ولبناني يخدم المصلحة الوطنية ، واعتقد انه وبعد هذه الحروب المشتعلة والتي تشير المعطيات الى احتمالية توسعها،  بأنه توجد هناك نيّة وارادة لدى المكون الشيعي العراقي ، خاصة في ظل  توليهم لدفة الحكم وهمينتهم على مقاليد الادارة في العراق ، وتطلعهم ايضاً وبشكل جدي كما يرى البعض نحو عدم رجوع الحكم للمكون السني ، لذا ولضمان مكاسبهم السياسية السيادية فهم أمام احتمالية توجههم نحو توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل.