ف التقليدية: هل نحن على أعتاب عصر المهارات الحرة والذكاء الاصطناعي؟"

أكتوبر 27, 2024 - 13:31
ف التقليدية: هل نحن على أعتاب عصر المهارات الحرة والذكاء الاصطناعي؟"

صدقي ابوضهير

في السنوات الأخيرة، شهدنا تغيرات جذرية في مفهوم الوظيفة التقليدية، خاصة مع انتشار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات. ومن بين أكثر الأراء إثارة للجدل كانت تصريحات رايان روسلانسكي، مالك منصة لينكد إن، الذي أكد أن "الوظيفة" بصيغتها الحالية لن تستمر، وأن العالم يتجه نحو نموذج جديد للعمل يعتمد على المهارات والتعاقدات المرنة.

الخلفية: ما الذي يدعو إلى انتهاء الوظيفة؟

لطالما كانت "الوظيفة" محور حياة الأفراد وأساس استقرارهم المالي والاجتماعي، فهي توفر لهم الأمان المالي والإطار التنظيمي للحياة اليومية. ولكن مع التطورات التكنولوجية والاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي والتحليلات الضخمة، بدأ هذا النموذج بالتحول، حيث أصبح التركيز على الكفاءة والإنتاجية بدلاً من التقيد بساعات العمل والمهام المحددة.

وما يزيد من مصداقية هذه التصريحات هو التحولات التي نشهدها في سوق العمل، حيث أصبحت الشركات تعتمد على الكفاءات المرنة، والمواهب المستقلة (freelancers)، والمشاريع الصغيرة التي يتم تنفيذها بشكل مؤقت بناءً على حاجة الشركات، بدلاً من تعيين موظفين دائمين.

الركائز الأساسية لهذا التنبؤ:

يرى رايان روسلانسكي أن الأسباب التي تقود إلى انتهاء مفهوم الوظيفة التقليدية تكمن في:

  1. الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي: حيث أصبح بالإمكان أتمتة العديد من المهام الروتينية والمتكررة، مما يقلل الحاجة إلى توظيف أفراد للقيام بها. وفقًا لدراسات متعددة، من المتوقع أن يحيل الذكاء الاصطناعي حوالي 30% من الوظائف التقليدية إلى أنظمة مؤتمتة بحلول عام 2030.
  2. المرونة في العمل: تزايد الطلب على المهنيين المستقلين والمتخصصين، حيث تشير إحصائيات إلى أن أكثر من 40% من القوى العاملة في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يتجهون نحو العمل الحر بحلول نهاية عام 2025.
  3. التركيز على المهارات بدلاً من الوظائف: مع تطور الاقتصاد العالمي، باتت الشركات تبحث عن مهارات متخصصة أكثر من الشهادات الأكاديمية أو الوظائف التقليدية. بحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2023، فإن 50% من المهارات المطلوبة في سوق العمل ستتغير خلال السنوات الخمس المقبلة.

رواتب المهن المرتبطة بالذكاء الاصطناعي

لقد بات من الواضح أن المهن المرتبطة بالذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي تزداد أهمية في سوق العمل، حيث تتراوح متوسط الرواتب في مجالات تطوير الذكاء الاصطناعي بين 80,000 و120,000 دولار سنوياً في الدول المتقدمة، مما يدل على قيمة هذا المجال. في منطقتنا العربية، سيكون التخصص في هذه المجالات ميزة تنافسية كبيرة، نظرًا لقلة من يتقنها، مما يفتح آفاقاً واعدة لمن يستثمر في تعلمها.

إحصائيات مهمة:

  1. النمو في استخدام الذكاء الاصطناعي في سوق العمل: وفقاً لتقرير صادر عن Forbes، فإن 67% من الشركات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحديد الاحتياجات التوظيفية، مما يزيد من أهمية معرفة هذه التقنيات.
  2. الطلب على مهارات الذكاء الاصطناعي: تشير تقارير LinkedIn إلى أن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي هما من بين أسرع المهارات نمواً في العالم، مما يعزز فرص الخريجين في الحصول على وظائف متخصصة برواتب مغرية.

الفرص الجديدة: عصر المهارات والاقتصاد التعاقدي

قد يرى البعض في هذه التحولات تهديداً لاستقرارهم الوظيفي، ولكنها في الواقع تفتح آفاقاً جديدة للذين يسعون إلى تطوير أنفسهم والتكيف مع الاقتصاد الرقمي. الانتقال من الوظيفة التقليدية إلى العمل بناءً على المهارات يتيح فرصاً لتحقيق دخل أكبر، ومرونة في اختيار المشاريع، وإمكانية العمل مع شركات كبرى دون الالتزام بقيود التوظيف.

كما يشجع هذا النموذج الجديد على ريادة الأعمال والابتكار، حيث يمكن للفرد استغلال مهاراته ومعرفته لإنشاء مشاريع صغيرة، أو تقديم خدمات لشركات متعددة في آن واحد، دون التقيد بوظيفة دائمة.

التحديات المقبلة

على الرغم من الفرص، يواجه الأفراد تحديات جديدة تتطلب استعداداً مختلفاً، منها:

  • تطوير المهارات بشكل مستمر لمواكبة التغيرات التكنولوجية.
  • القدرة على إدارة الوقت والمشاريع دون الاعتماد على إرشادات وظيفية محددة.
  • تعزيز العلامة الشخصية (Personal Branding) لتسويق الذات وجذب الفرص المناسبة.

ختامًا

يمكن القول إن العالم يتجه نحو نهاية عصر الوظائف التقليدية كما نعرفها، وهذا لا يعني انتهاء العمل بحد ذاته، بل تغييره نحو نموذج أكثر مرونة يعتمد على الكفاءة والقدرة على التكيف. ومن الضروري أن يتأقلم الأفراد والشركات مع هذه التحولات للحفاظ على قدرتهم التنافسية في سوق العمل المتغير.

إن تصريحات رايان روسلانسكي تمثل تنبيهاً لمستقبل لا يمكن تجنبه، ولابد من التحضير لهذا المستقبل عبر الاستثمار في المهارات، وتبني المرونة في طرق العمل، لتحقيق التوازن بين الإبداع والإنتاجية. باتباع هذه الاستراتيجيات، يمكنك ليس فقط تعزيز معرفتك الأكاديمية ولكن أيضاً تطوير مهارات تجعلك جاهزاً لمتطلبات سوق العمل، وتكون قادراً على تحقيق النجاح والاستثمار في مستقبلك.

 بقلم : صدقي ابوضهير باحث ومستشار بالاعلام والتسويق الرقمي