البيت الفلسطيني ... من التغريبة الى النّورج .

مايو 5, 2025 - 19:10
البيت الفلسطيني ... من التغريبة الى النّورج .

لقد بدى واضحا و جليا في السردية التاريخية التي قدمها مسلسل التغريبة الفلسطينية لكاتبه د. وليد سيف و مخرجه الراحل حاتم علي الفرق في التكوين الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني ما قبل النكبة العام ١٩٤٨ حيث امتاز المجتمع الفلسطيني بوجود  نمطيين مختلفين و غير متشابهين في العرف و العادات و التقاليد و انماط الحياة من ناحية السلوكيات و الاهتمامات لكل واحد منهم و لكنهما كانا مكملين لبعضهما البعض في مختلف محطات النضال و شكلا في ذلك لوحة نضالية اتحدت فيها الوان الطيف الفلسطيني في مقارعة قوى الانتداب و الاحتلال و هما مجتمعي القرية و المدينة ( الريف و الحضر ) . 

المجتمع الفلسطيني ( الريف " القرى " / المدينة ). 

 تشكلت للمجتمع القروي عاداته و تقاليده و سلوكيات حياته المختلفة عن مجتمع المدينه الذي ذهب بشكل اسرع نحو حالة التحضر و التمدن التي سبقت فلسطين في عصرها الاقليم العربي و بالعودة الى التغريبة الفلسطينية نجد ان البيت الريفي اتسم ببساطتة و تواضعه من ناحية البناء و المساحة حيث البناء الطيني و الحوش و الطابون و بئر الماء و قن الدجاج هي ركائز اساسية في كل بيت و ان ارتباط العائلة الريفية الوثيق في الارض جعلها مصدر عيشه و رزقه الوحيد بينما يذهب مجتمع المدينة نحو التحضر و التطور في مختلف مناحي الحياة الامر الذي انعكس بشكل واضح على سلوكيات و أنماط حياته و اهتمامات الانساني الفلسطيني التي تركزت على النهضة الثقافية و العلمية و السياسية - الاقتصادية و التطور العمراني فنجد ان المدن الفلسطينية كانت اكثر تقدما من الريف في ذلك ففي حيفا و يافا و غيرهما من المدن الفلسطينية التاريخية شيدت القصور و البيوت ذات الطوابق المتعددة و اسست المدارس و المعاهد و دور النشر و السينما و اقيمت المسارح و المعارض و المصانع و البنوك التي شكلت ملامح نهضة اقتصادية . 
ان الاختلاف بين مجتمعي الريف و المدينة انعكس كليا على انماط حياة كل منهما في العادات و التقاليد و الاعراف و حتى الازياء و المأكولات الشعبية الفلسطينية فنلاحظ ان زي النساء من الريف يختلف تماما عن زي النساء من المدينة و كذلك زي الرجال من الريف و الذي عرف بالكمباز ( الديماية ) مع العقال و الكوفية يختلف تماما عن زي الرجال في المدينة و الذي اتسم بالزي الرسمي ( البدلة) مع الطربوش الاحمر في اختلاف يعكس ايضا  لهجة في الكلام ما بين اهل الريف و اهل المدينة و على هذا القياس فان المجتمع الفلسطيني ذو طابعين مختلفين و ان البيت الفلسطيني ذو نمطيين مختلفين في الاهتمامات و السلوك و الاعراف و التقاليد و العادات. 

النورج ...البيت الفلسطيني .

في حواري بلدة بير زيت الفلسطينية و هي احدى بلدات محافظة رام الله و البيرة يتربع منزل فلسطيني قديم لعائلة من اهالي البلدة حيث يزيد بعمره اضعاف مضاعفة عن عمر دولة الاحتلال اختارته سيدة فلسطينية تدعى " سوسن قدومي " ليكون مشروعها الثقافي بنكهة فلسطينية تروي من خلاله حكاية وطن مسلوب و ارث تراثي يقاوم المحتل في محاولات طمسه ليبقى شاهدا على اصالة الارض و الانسان معا . 

ومن خلال هذا البيت الذي اعادة القدومي بعث الحياة به و اعادة تقدميه للجمهور الفلسطيني و العربي كتحفة تأبي النسيان و الطمس من خلال اجتراحها لمصطلح البيت الفلسطيني حيث اطلقت على مشروعها تسمية ( النورج - البيت الفلسطيني ) فاما النورج فهو لوح خشبي كان يستخدم في مواسم الحصاد و اما البيت الفلسطيني فهو خليط متقن بابداع سيده فلسطينية مزجت بين صخور الارض الصلبة الشاهدة على حضارته الانسان الفلسطيني و بين ثقافته و عاداته و تقاليده و مورثه الاجتماعي في تناغم تنسج به خيوط صورة متكاملة بين مجتمعي القرية و المدينة (الريف و الحضر)  لتعيد بذلك تقديم صورة مميزة و فريدة حول الهوية الثقافية و التراثية للشعب الفلسطيني .
تصنع القدومي في بيتها الفلسطيني خبز الطابون و تقدم القهوة في دلال نحاسية ... ترتدي ثوب المرأة الريفية الفلسطينية و ترص حبات الزيتون و تصدح في فناء بيتها الفلسطيني اسطوانات صندوق الغنى كما وصفته ام صالح في التغريبة الفلسطينية و عبر انغام صندوق الغنى انتقلت القدومي الى مرحلة اكثر ابداعا في وصفها لمشهد الحياة الفلسطينية و ذلك بعد ان اسست فرعها الثاني من مشروعها الثقافي لتطلق عليه تسمية من موروث الاكل الشعبي الفلسطيني ( النورج ـ بسيسة ).

القدومي ... سيدة البيت العتيق ( النورج ) التي اعادت نشر الحكاية بتفاصيل لم تروى و سردية مختلفة لثقافة شعب تأبى الطمس و الاندثار و النسيان .

بقلم : حمزة خضر