زيارات هوكشتين وبلينكن.. لزوم ما لا يلزم
راسم عبيدات
تكثفت بعد معركة السابع من أكتوبر2023، زيارات هوكشتين المبعوث الأمريكي للبنان، وبلينكن وزير الخارجية الأمريكي.
وهذه الزيارات تأتي في إطار السعي الأمريكي لعمليات جس نبض تحت النار، الهدف منها تلبية الشروط الإسرائيلية لوقف إطلاق النار على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، وتحقيق ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه بالنار والعدوان، بالضغوط السياسة، وتوظيف قوى ضاغطة فلسطينية ولبنانية وعربية رسمية، بالإضافة إلى أمريكا ودول أوروبية غربية لتحقيق هذه الأهداف، ولعل جولة هوكشتين الأخيرة للبنان، والتي أتت في ظل تصعيد عسكري إسرائيلي غير مسبوق باستهداف واسع للبنى والمؤسسات المدنية والصحية ومراكز الإيواء، تشير إلى أن هكوشتين، أراد لهذه الجولة أن تكون مفاوضات تحت النار، لكي تحقق إنجازات أمنية وسياسية لإسرائيل، على حساب السيادة اللبنانية، تصل إلى فرض الوصاية على لبنان، ومدخل خباثة هوكشتين اليهودي الأصل والانتماء في ذلك، أن القرار 1701 ، لم يعد كافياً، حيث أن الأوضاع بعد هذا القرار آخذة في التدهور، ولذلك هناك حاجة إلى أن تكون هناك آليات تنفيذية وشروحات وتفاصيل وضمانات أمريكية – لبنانية، وأمريكية- إسرائيلية، تمكن من عدم تصاعد الأوضاع ، وهذا يعني نسف للقرار 1701 ، بحيث تتمكن إسرائيل من تمرير مطالبها وشروطها كجزء من هذه الضمانات، وما يريده هوكشتين والذي أتى بجولته ضمن اعتقاد بأن المقاومة قد هزمت وانكسرت وتراجعت بعد اغتيال قياداتها العسكرية والأمنية، وصولاً إلى أمينها العام السيد حسن نصر الله، ونائبه السيد هاشم صفي الدين. ولذلك جاء ليقول بأن التعديلات على القرار يجب أن تشمل إعطاء صلاحيات أوسع وأشمل لقوات الطوارىء الدولية "اليونفيل"، بحيث تصبح مهمتها ردعية وتفتيشية، ويحق لها تفتيش أي موقع تشتبه فيه دون إذن من الحكومة اللبنانية أو التنسيق مع الجيش اللبناني، مع انسحاب لقوات حزب الله إلى شمال الليطاني، وإعادة صياغة النظام السياسي والأمني اللبناني، وتشكيل سلطة وانتخاب رئيس، من خلال الفريق الأمريكي- الإٍسرائيلي في لبنان، واعطاء إسرائيل حرية انتهاك الأجواء اللبنانية، وتجريد حزب الله من سلاحه، وكذلك أن تنتشر قوات الطوارىء الدولية على الحدود اللبنانية - السورية، ومراقبة موانىء لبنان، تحت ذريعة منع تهريب السلاح إلى حزب الله والمقاومة، ناهيك عن انسحاب قوات "الرضوان" التابعة للحزب إلى ما بعد الليطاني.
المقاومة قالت بأن الكلمة للميدان، وأن الجانب المتعلق في القضايا الدبلوماسية والسياسية يتولاه القائد المخضرم نبيه بري، والذي قال لهوكشتين بشكل واضح إن الأولوية لوقف إطلاق النار، ومن ثم يجري البحث في القرار الأممي 1701. لبنان دولة وحكومة ومقاومة وشعب، لن يقبل بأية تعديلات على القرار 1701، رغم وجود أصوات نشاز متوافقة مع الطرح الأمريكي- الإسرائيلي، وأن على هوكشتين أن يذهب إلى نتنياهو لكي يأتي بالتزام واضح منه بهذا القرار وتطبيقه، فإسرائيل خرقت هذا القرار في الكثير من جوانبه، ولم تلتزم بها. بالمقابل بلينكن في زيارته لإسرائيل ولقاءاته بقادتها، والتي سبقتها إسرائيل بتصعيد حرب إبادتها الجماعية والتطهير والحصار والتجويع ومنع دخول الدواء والوقود إلى شمال قطاع غزة، كان يريد أن يستكشف إمكانية أن تكون هدنة مؤقتة وأن يجري استغلال ارتقاء الشهيد السنوار، من أجل عقد صفقة لتبادل الأٍسرى ولو جزئية مع البحث في اليوم التالي للحرب على قطاع غزة. من سيدير القطاع كبديل عن حركة حماس والمقاومة.
الواضح أن حزب الله وحماس لم تؤد عمليات الاغتيال بحق قادتها إلى انهيارهما، أو فقدانهما البوصلة، وتفكك منظومة القيادة والتحكم والاتصال والتنسيق، بل شهدنا في كلا الحركتين سرعة في ترميم أوضاعهما الداخلية والتنظيمية، واستعادة المبادرة، رغم الخسارات الثقيلة بارتقاء هؤلاء القادة، وما لها من تأثيرات معنوية وعاطفية على جمهور وبيئة المقاومة، بحيث ما نشهده من فشل الهجوم البري الإسرائيلي، وما تظهره المقاومة من تفوق بري وبطولات غير مسبوقة، تجسدت في المقاتل إبراهيم حيدر الذي استمر يقاوم بكل هدوء وثبات ويوجه سلاحه نحو جنود الاحتلال ودباباته، ليستشهد بعد ذلك من خلال قصف المنزل الذي تواجد فيه بطائرة حربية.
المقاومة على الجبهة البرية، تقوم بالتصدي لأية محاولات اختراق إسرائيلية للحدود، وتفسح أحياناً المجال للقوات الإسرائيلية بالتوغل ومن ثم الانقضاض عليها بالقذائف والصواريخ الموجهة، أو الالتحام من نقطة الصفر، ولكي تصل حصيلة الخسائر الإسرائيلية على المحاور القتالية الخمسة، حسب ما صدر الأربعاء عن غرفة عمليات المقاومة المشتركة خلال 33 يوماً من الحرب البرية، إلى قتل 70 جندياً وضابطاً وإصابة 600 آخرين، وتدمير 28 دبابة و 4 جرافات ثقيلة ومدرعة وناقلة جند، وهذا لا يشمل خسائر إسرائيل في القواعد والثكنات والمستوطنات على طول الجبهة.
وأكثر من ذلك وجدنا أن المقاومة تمكنت من تحقيق التوازن الناري، حيث تطلق صواريخها بأنواعها المختلفة قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، بشكل متواصل ومستمر، بما يشمل تل أبيب وحيفا والجولان المحتل والجليل الأعلى والأسفل، وصولاً إلى طبريا وعكا، وأيضاً أسراب مسيراتها الانقضاضية المخترقة لكل طبقات ومنظومات الاعتراض والدفاع الجوي، ولتصل إلى غرفة نوم رئيس الوزراء نتنياهو، ناهيك عن استهدافها لقاعدة "بنيامينا" جنوب شرق حيفا، والتي قتل فيها 4 جنود وجرح 67 أخرون، ولا ننسى قصف القاعدة البحرية "ساتيلا ماريس" بصواريخ نصر 2 الاستراتيجية في شمال غرب حيفا، وقاعدة غاليلوت الاستخبارية "8200" في شرق حيفا، وكذلك قصف منطقة غوش دان بالصواريخ بعيدة المدى.
في حين على جبهة قطاع غزة، وبالتحديد في جبهة شمال قطاع غزة، والتي عاد إليها جيش الاحتلال للمرة الثالثة، حيث في كل مرة يدعي أنه قضى على القدرات العسكرية والتسليحية للمقاومة، ولكن نجد أن المقاومة سرعان ما تعود إلى تلك المناطق، وترمم أوضاعها العسكرية والتسليحية والتنظيمية، وتسجل بطولات غير مسبوقة، في تصديها لجيش الاحتلال وقواته، ملتحمة معها من نقطة الصفر، وناصبة لها الكمائن وعبوات ناسفة للمنازل التي يتحصن بها جيش الإحتلال، ناهيك عن استهداف جنده ودبابته بقذائف "الياسين 105 " و"التاندوم" و"الرجوم" و"الشواظ"، ولتتمكن من قتل أرفع رتبة عسكرية إسرائيلية قائد اللواء 401 وتصيب عدداً من مساعديه.
من الواضح أن إسرائيل مأزقها يتعمق في قطاع غزة وفي لبنان، والحرب ذاهبة إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، لا يقوى على تحملها جيش الاحتلال، فهو لم يعتاد على مثل هذه الحروب، ولم يبن استراتيجيته وعقيدته العسكرية على ذلك، ولذلك وجدنا صاحب فكرة خطة الجنرالات للسيطرة على شمال قطاع غزة، رئيس مجلس الأمن القومي السابق غيورا آيلاند، يدعو إلى وقف الحرب والانسحاب من قطاع غزة، لأنها لن تحقق الأهداف لا بعد ستة أشهر أو عام، بل تغرق جيش الاحتلال في حرب استنزاف طويلة، في حين المحلل العسكري عاموس هرئيل في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية يقول إن حزب الله نجح في تعطيل الحياة العامة في الشمال، وفرض روتين الدخول للملاجىء في الوسط.
ولذلك فإن جولتي هوكشتين وبلينكن، لن تحصدا سوى الفشل الذريع، فكلاهما ينطلقان من هزيمة حزب الله وحماس، والمطلوب سحقهما، والقضاء عليهما، وفرض شروط استسلام عليهما، تمكن من توفير الأمن لإسرائيل على المدى الاستراتيجي، وضمان هيمنتها وسيطرتها على المنطقة، كقاعدة متقدمة للمصالح الأمريكية والغربية في المنطقة، وواقع الميدان يقول، بأنهما استعادا المبادرة ومعادلات الردع، ولن يمكنا إسرائيل من تحقيق أهدافها، بل تعمقان من ضعف إسرائيل وفشلها الاستراتيجي، وبالمقابل نتنياهو وحكومته غير متحمسين لما يأت به الزائرون، وينتظرون بشغف قدوم فريق ومبعوثي الإدارة الأمريكية الجديدة، والفلسطينيون لا يثقون بأمريكا وبمبعوثيها، ولا ينتظرون منها ما يفيد، ولذلك تصبح جولات هوكشتين وبلينكن لزوم ما لا يلزم، وهي تأتي في الوقت الضائع.