أسبوع من الاشتباك الواسع ولا انفكاك بين فلسطين ولبنان
وسام رفيدي
كان يحق لنتياهو وأجهزته العسكرية والاستخبارية أن ينتشوا فرحاً أيام الثلاثاء والأربعاء والجمعة الماضية، ففيها سجلوا وللحق إنجازات تكتيكية حقيقية، بإيقاع الآلاف من مقاتلي حزب الله جرحى، واستشهاد العشرات، بتفجيرات البايجر والتوكي، وباغتيال قيادييّن وأكثر من 13 مقاتل يوم الجمعة. وكان يحق لحزب الله وكل محور المقاومة وجمهوره على مستوى الإقليم والعالم، أن يغضب لهذا الاختراق الأمني الواسع للحزب.
كان الغضب والحزن يجتمعان في ملامح السيد في خطابه الأخير، الغضب لما حصل من اختراق، والحزن على حجم الضحايا المهول، الحزن على أطفال ونساء مدنيين استُشهدوا وجُرحوا نتيجة همجية الضربة. ولكن الأهم ما تلا ذلك. لم يجانب السيد الحقيقة حين وصف ما جرى بأنه (ضربة كبيرة وقاسية على مستوى أمني وسياسي)، ولكن الأهم أنه قال (لم تسقطنا ولن تسقطنا)، وفعل ما قال (فالخبر ما ترونه لا ما تسمعونه).
حققت دولة الإبادة إنجازاً جدياً لا شك بذلك، وليس من صوت مقاوم لم يقر بذلك، ولكن الأهم ليس هذا فحسب على أهميته، بل الانطلاق منه للرد الذي لم يتأخر كثيراً. فإذا كانت دولة الإبادة تبتغي جملة أهداف من ضرباتها الأسبوع الماضي كما حددها نصر الله في خطابه، فهي ليس فقط لم تحقق اياً منها، بل وفتحت على نفسها أبواب جهنم بحيث تعمقت أزمتها التي تسعى للخروج منها.
كان خوف جمهور المقاومة مشروعاً بأن استهداف الآلاف من المقاتلين وقياديين من الصف الأول، سيقود للتأثير بقوة على قدرات الحزب على صعيد التحكم والقيادة والسيطرة وآليات التوجيه والتبليغ، ولكن الحزب، إذ أدرك هذا الهدف، أوصل رسالته سريعاً بإطلاق مئات الصواريخ والقذائف على المستعمرات والمواقع والقواعد العسكرية، بعد ساعات من الهجوم السيبراني، في رسالة واضحة: هدفكم بقطع الاتصالات لم ينجح.
أما أن يكون الهدف إعادة المستعمرين لمستعمراتهم، فكان الرد ليس فقط خطابياً بل فعلياً بتوسيع نطاق ضربات الصواريخ من الحزب لتصل لحدود 60 كيلو من الحدود شمال فلسطين، في رسالة ايضا كان نصرالله أعلنها: لن تعيدوا المستعمرين إلا بوقف العدوان على غزة. بالعكس سيضاف لهم مستعمرون آخرون سيهجرون مستعمراتهم، وهذا ما يحصل.
ولعل الهدف الأهم، وكان بتقديري معروفاً، وما تأكيد نصر الله عليه إلا من زاوية تأكيد المؤكد، هو خروج الحزب من جبهة إسناد القطاع. هنا تكمن الأزمة الحقيقية لدولة الإبادة، فناهيك عن عدم تحقيق أهداف الحرب على غزة، رغم التضحيات الهائلة، إلا أنها باتت تواجه معضلة مقاومة لبنانية فتحت جبهة جديدة، مقاومة تمتلك من القدرات أضعاف أضعاف المقاومة الفلسطينية في غزة، بحيث بدلاً من إعادة الحزب شمال الليطاني وفرض منطقة عازلة، كما أعلنوا كهدف للحرب على لبنان، تم ترحيل 100 ألف مستعمر (حسب اعترافهم هم) وفرض منطقة عازلة في الشمال.
لم يكن الرد على هذا الهدف المعلن بقرار من حكومة الإبادة خطابياً فقط، بل بتوسيع ضرب الصواريخ لتدخل مرحلة جديدة عنوانها كما أشار نعيم قاسم: الحساب المفتوح والتدرج الاستراتيجي، وهذا ما يعنيه ضرب القاعدة الجوية رمات ديفيد ومصانع شركة رفائيل ومجمل القواعد والمستعمرات من شرق حيفا وصولاً لمرج ابن عامر. وفجر الاثنين قدمت المقاومة العراقية ايضا إسهامها بإطلاق الصواريخ تجاه قواعد ومستعمرات منطقة الغور وشمال فلسطين.
من الطبيعي ان يتم وصف المرحلة بأنها مرحلة جديدة، فدولة الإبادة بتفجيرات الأجهزة في الضاحية، واغتيال القادة والمقاومين من الرضوان، تجاوزت قواعد الاشتباك والخطوط الحمراء بطريقة غير مسبوقة فعلا. سبق ان قامت بالاغتيالات، ولكن ان تفجّر آلاف الأجهزة في الآلاف من السكان، ومنهم المئات من المدنيين، فهذا غير مسبوق، ولا بد يستدعي رداً ايضاً غير مسبوق، حسب كل التوصيفات، وحسب ما تأكد من تجارب سلوك الحزب، رداً بذات المستوى: لا قواعد ولا ضوابط ولا خطوط حمراء.
ليكذب مسئولو الصهاينة كيفما شاؤوا، ولكن الصحافة لديهم تفضحهم حين تعلن خروج مدرجات قاعدة رمات ديفيد الجوية بالكامل عن العمل، كما الفيديوهات والصور المتداولة. نجح الحزب بإخراج قاعدة رمات ديفيد، قاعدة القوات الجوية الأهم، من العمل، فيما نالت شركة رفائيل للصناعات العسكرية بقرب حيفا نصيبها من الصواريخ لتصيبها مباشرة، ناهيك عن سعة الهجوم من الحزب: كل المنطقة الممتدة من شرق حيفا وصولاً لمرج ابن عامر وبيسان وطبريا والأغوار، أي بعمق 60 كم من الحدود الشمالية.
(الخبر ما ترونه لا ما تسمعونه). هكذا أعلن الحزب على لسان السيد الذي كان مقلاً كثيراً في الحديث عن الرد، ولكن ليس مقلاً في الرد الذي قام به حزبه.
مرة تلو مرة تتأكد حقيقة أن حركة حماس أطلقت الطوفان، وكل قوى المقاومة في القطاع غدت رأس حربته، ولكن من لبنان، ومعه اليمنيين والعراقيين، سيكون حسم الصراع بعدم السماح بهزيمة المقاومة، وتقديم كل التضحيات لتحقيق مطلبها الأساس بوقف حرب الإبادة، وتحقيق كافة مطالبها. هذا ما يدركه نتياهو ويسعى له محاولا فك العلاقة بين فلسطين ولبنان، إخراج الحزب من معادلة الصراع، ولكن الحزب قال عكس ذلك وبقوة النار في الأسبوع الأخير.