الذكاء الإصطناعي بين التبني والتأني

أغسطس 31, 2024 - 10:07
أغسطس 31, 2024 - 10:07
الذكاء الإصطناعي بين التبني والتأني

فواز عقل

البشر لم يستطيعوا السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي، فهل سيسيطرون على الذكاء الاصطناعي؟

يشكل الذكاء الاصطناعي مصدر قلق وتحدٍ للبشرية بشكل عام في كل المجالات ولطلبة الجامعات في التخصصات والمهة المختلفة.

ويعتقد البعض أن الذكاء الاصطناعي يخلق فرصاً جديدة للطلاب والباحثين للوصول إلى معلومات جديدة وضرورية والتي تزيد من جودة الأبحاث العلمية وجودة ونوعية التعليم.

ويطرح المختصون أسئلة حول مستقبل وفرص العمل والمهارات والمهن المطلوبة للقرن الحادي والعشرين، وستظهر مهن ووظائف وتخصصات جديدة تتلاءم مع حاجات الفرد والمجتمع وستختفي مهن ووظائف وتخصصات لعدم ملائمتها للفرد والمجتمع.

لذلك، لا بد من تحولات جديدة في نظام التعليم مثل التحول من توحيد التعليم الى تفريد التعليم، ومن وضعية التعليم إلى وضعية التعلم، والتحول من ثلاثية الحفظ والتلقين والتذكر إلى رباعية الحوار والخبرة والتجربة والمشاركة، والتحول من إنهاء وتغطية المنهاج التي هي عدو للفهم وعدو لنظام التعليم إلى منهاج مفتوح مرن مواكب قابل للتغيير والتعديل. وتقول بعض الدراسات إن صلاحية المعارف والمناهج ستقتصر مستقبلاً على 5 سنوات إن لم يكن أقل، وإن عقل الإنسان أكبر بكثير من أن يحتويه كتاب أو منهاج مهما كان مصدره.

والتحول كذلك إلى استخدام كلمات وبرامج ومصطلحات جديدة مثل قارن، حلل، قيم، برر، حدد، لخص، وضح، اقترح، فسر، توقع، اعرض، ناقش، افحص، انقد، عبر، لأنه لا يمكن التغيير من خلال أدوات وكلمات وبرامج متكررة.

ورغم المبالغات في السلبيات والإيجابيات والمخاطر التي تواجه البشر إلا أن الذكاء الاصطناعي سيكون له أثر كبير على التعليم والتعلم، كما يراه الداعمون والمرحبون به الذين يقولون استعدوا للثورة التعليمية ويدعون إلى التبني لأنه يساعد على:

* التخفيف من مخاطر الغش في الامتحانات والبحث العلمي.

* المساعدة على تعليم اللغات من خلال المحادثة.

* المساعدة على حل الواجبات.

* مساعدة الباحثين على الوصول إلى المعلومات بسرعة وتلخيص المقالات بسرعة.

* المساعدة على تحسين مهارة الكتابة عند الطلاب.

* توفير فرص لتطوير المواد التعليمية والمنهاج وتصميم الاختبارات والدورات التفاعلية.

* المساعدة على إنجاز المهام الإدارية للمعلمين.

* توفير استشارات حول وضع الأسئلة لكثير من المواد.

* المساعدة على توفير فرص وزيادة تفاعل الطالب مع المحتوى التعليمي.

أما أصحاب النظرة السلبية والداعين إلى التأني فيقولون إن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى تراجع التدريس الوجاهي لصالح التعليم خارج المدرسة والمنزل، ما يؤدي إلى ضعف التواصل الاجتماعي بين الطلاب والمعلمين والمدرسة والمجتمع.

وسينحصر دور المعلم المعرفي ما يؤدي إلى غياب المعلم وجاهياً والذي سيؤثر على نقل القيم الاجتماعية. وأعتقد أن الذكاء الاصطناعي لا يستطيع تقليد البشر والتعامل مع الجوانب العاطفية والفلسفية في تفكير الإنسان، وقد يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تغيرات جذرية في المجتمع، كالتوظيف والتعلم واختفاء مهن وظهور مهن جديدة وتدهور العلاقات الاجتماعية. ومع ظهور الذكاء الاصطناعي نجد أنفسنا أمام مستجدات فيها الكثير مما يبشر بزمن فيه الخير للبشر في مجالات عديدة، ويحمل في نفس الوقت جوانب مرعبة مخيفة تضع البشر أمام أسئلة كثيرة، وظهر مؤخرا مخاوف جديدة تتعلق بفقدان الوظيفة حيث أظهر تقرير البنك الدولي أن ظهور الذكاء الاصطناعي سيؤثر على 40% من الوظائف حول العالم. وفي تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي 2020-2025 سيفقد العالم 85 مليون وظيفة خصوصا الوظائف التقليدية، ومع تطور الذكاء الاصطناعي وقدرته على توليد نصوص جديدة لجأت بعض الجامعات إلى رفض برامج الذكاء الاصطناعي ومنع الطلاب من استخدامه لمنعهم من الغش في الإمتحانات. هذا قرار جيد للوهلة الأولى ولكنه مخالف لعملية التغييرات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي، وبدلاً من رفضه قامت بعض الجامعات بتطوير برنامج خاص لتعلم الطلاب وتقديم تجربة فريدة لهم بدلاً من تقديم معلومات جاهزة وعدم إعطاء الطالب الجواب النهائي، حيث تقدم له طريقة للوصول للحل، حل المسائل بدون تقديم الحل النهائي عن طريق دمج نظريات علم التعلم والذكاء الاصطناعي.

رغم أنني لست خبيراً في الذكاء الاصطناعي ولكنني بحكم تخصصي في التعليم والتعلم أعرف وأفهم كيف يتم تشكيل وإعداد جيل المستقبل، ومرة أخرى لا أحد ينكر أهمية الذكاء الاصطناعي وتخصصات الحاسوب المختلفة لما لها من دور كبير في تشكيل المستقبل وتأثير على حياة البشر في كل المجالات ولكنني أعرف كذلك أن هذه العلوم الجديدة رغم أنها من متطلبات العصر إلا أنها ليست كافية، ولا يمكن لها بمفردها أن تتعامل مع مشاكل البشر وبناء المستقبل إلا إذا تم الرجوع للعلوم الاجتماعية والإنسانية (مثل علم الاجتماع، وعلم النفس، والفلسفة والفنون والآداب) والتي من خلالها يمكن حماية القيم الإنسانية فهم السلوك الإنساني والتفاعل الاجتماعي ودعم النشاطات العقلية كالتفكير الناقد والتفكير الإبداعي والتحليل والتساؤل والإقناع وتقبل الآخر والحوار، لذلك لا بد من الجمع والتوازن بين هذه التخصصات بحيث لا يكون تخصص على حساب الآخر، بما فيه من مصلحة وخير البشر.

و مع هذا هنالك أسئلة كثيرة تشغل كاهلي وكاهل آخرين من التربويين:

1- هل يمكن للبشر التأقلم مع هذه التغييرات المتسارعة وما الثمن؟

2- هل سيتم إعادة النظر والتفكير في الأدوار التعليمية والوظيفية لمواكبة المتغيرات والمستجدات شبه اليومية؟

3- هل سيضع البشر مدونة سلوكية أخلاقية مهنية لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي لحماية البشر من الأخظار المتوقعة خصوصاً في البحث العلمي والامتحانات والتعليم والتوظيف؟

4- ما هي التحديات الأخلاقية التي ستظهر في المستقبل القريب أو البعيد بعد ظهور الذكاء الاصطناعي؟

5- كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على التخصصات والوظائف في مجال العلوم الاجتماعية والإنسائية؟

6- هل سينحصر التعليم والشهادات و المهارات لخدمة وظائف ومهن وخدمة القطاع الخاص وخدمة حاجات رجال الأعمال؟

7- هل سيتم إعادة تعريف مكونات العملية التعليمية (الأهداف، المنهج، المعلم، الطالب، التقويم، البيئة المدرسية)؟

8- هل سيعاد النظر في عملية التقويم والامتحانات خوفاً من الغش والاتجاه نحو الامتحانات الشفوية لتخفيف ما يعرضه الذكاء الاصنطاعي على الطالب؟

9- هل البشر مستعدون لمواجهة الثورة التعليمية التي سيفرغها الذماء الاصطناعي؟

10-هل ظهور الذكاء الاصنطاعي وتوليد النصوص والمعارف سيقود حتماً إلى تحديد صلاحية الشهادة أولاً والمعرفة ثانيا؟

11- كيف ستتطور الإمكانات الهائلة لهذه التكنولوجيا في المستقبل؟

12- ما هي التأثيرات التي سيفرضها الذكاء الاصناعي على القيم والأخلاق والتعلم والوظيفة؟

13- هل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بكافة مجالاتها جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية؟

14-هل أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي بيئة خصبة للإشاعات والأخبار المضللة وتشويه الأفكار والأشخاص بعد تزايد الاعتماد عليها للحصول على المعلومة والتواصل مع الآخرين؟

وأردد ائما: ما ذكره محمد عبده: إن مستقبل أية امة يكون باستعدادها لكل زمان بما يناسبه، وما قاله شمس التبريزي: لا تتعلم ما لا تعلم حتى تعمل بما لا تعلم. ولا يجوز أن ينام الإنسان بنفس العقل الذي استيقظ به.

وما قاله بير تراند راسل إن الإنسان لا يولد جاهلاً وليس غبياً وما يجعله غبياً هو نظام التعليم

وأقول، نحن التربويون أصحاب البوصلة أصحاب اليقظة نصنع البوصلة ولا ننتظرها للزمن التالي.

مع ظهور الذكاء الاصطناعي نجد أنفسنا أمام مستجدات فيها الكثير مما يبشر بزمن فيه الخير للبشر في مجالات عديدة، ويحمل في نفس الوقت جوانب مرعبة مخيفة تضع البشر أمام أسئلة كثيرة.