هندسة حلّ المشكلات التي لا حلّ لها

أغسطس 7, 2024 - 15:19
هندسة حلّ المشكلات التي لا حلّ لها

فراس عبيد

ربما يتطلب الأمر من الإنسان كثيراً من الوقت والأعوام، ليدرك أن الحياة على الأرض ليست نزهة أو رحلة بسيطة الشروط، كما قد يظن أو يتوهم .


وكلما تقدم العمر بالإنسان ازداد إدراكه لتلك الحقيقة الغريبة وتفهّمه لها، وذلك من واقع تتابع التجارب الحياتية شديدة الوقع عليه، وهي تجارب لم يكن في مخيلته، وهو في مقتبل عمره، أنه يمكن أن يمر بها، على اعتبارٍ (غريب غامض وهمي) يوحي له أنه فوق الأزمات العاصفة، وأنه محصَّن من أن تمسّه، وأنه أبعد ما يكون عنها!


ولا بأس عزيزي القارىء من الإشارة إلى تلك اللحظة شديدة القسوة التي سيواجهها الإنسان، لحظة انكشاف الحقيقة العارية المرّة أو المروّعة أمام عينيه وبصيرته، وحينها يكاد يصرخ : لا.. لا.. ليس أنا من يحدث معه هذا الأمر ! لا.. لا.. ليس أنا من يقع في هذا المأزق ! لا.. لا.. ليس أنا من تغضب عليه السماء والأرض، فيقع هذه الوقعة!


أما الحقيقة، فهي أن ما جرى لابن الإنسان، لم يكن شاذاً عن قاعدة تجسّد روح الإنسان على كوكب الأرض، وهي القاعدة الفلسفية الروحية التي تقول له أنه لم يأت إلى الأرض ليتجنب الألم، بل ليختبره، وليتجاوزه، مع الاحتفاظ بكامل حقه في الاندهاش المطوّل والمتواصل، أمام تلك الجملة الأخيرة المحمّلة بالبساطة والتعقيد والغموض، في آن واحد.


إن ما جرى لابن الإنسان لم يكن غضباً من السماء والأرض عليه، بل خضوعاً قسرياً لقوانينهما، مثل قوانين البَذر والحصاد، وإخفاء الظاهر للباطن، ونسبية إدراك الإنسان، وترابط العوالم، والمقاصّة الروحية، وغيرها من القوانين المذهلة.


إن أولى خطوات حل المشكلات التي لا حل لها (أو هكذا تبدو)، هي خطوة اعترافك التفصيلي التام بالمشكلة أمام نفسك، وعدم إنكارك لها أو لأية تفصيلة فيها.


ثم تليها خطوات تقبّل وقوع المشكلة، وتخطّي مشاعر لوم النفس، والهدوء والتفهم والتحليل، بعد تفريغ شحنات ثورة النفس، والبحث عن مخارج.


وقد تتداخل الخطوات الأخيرة معاً. ليس في ذلك غرابة أو خطر ما دمت وصلت بسلام مرحلة الهدوء والبحث عن حلول.


نسمي تلك المرحلة مرحلة ولادة جديدة للذات -لأنها كذلك حقا- وهي تصنف من مراحل البدايات الصفرية الجديدة المدهشة، رغم كل ما قد يرافق تلك الولادة من ألم وخوف وشك، فالصفر علمياً وواقعياً هو دوماً حاضنة الأفكار والأحلام والبدايات، واسمه في أدبيات العلوم الروحية الصفر الكوني العظيم.


والآن لنتفضل إلى طرق معتمدة بشرياً في حل تلك المشكلات مسدودة الآفاق - أو هكذا تبدو..


هناك المعالجة العقلانية (الصرف)، وهناك المعالجة العاطفية، وهناك المعالجة العقلانية العاطفية، وهناك المعالجة التي تدمج المعالجات السابقة معاً، وتضيف لها المعالجة الروحية.


الأرجح، أن غالبية البشر قد اختبروا الأنواع السابقة كلها، بوعي منهم، أو بدون وعي.


ولربما اكتشفوا أنه لا يوجد ما يسمى حلاً عقلانياً (خالصاً)، استناداً إلى أن الإنسان ليس عقلا فقط، بل أيضا هو حامل أصيل لقلب وعواطف وميول فطرية، ولأن أي توجه يتخذه الإنسان يشتمل بالضرورة على ميل معين.
ولربما اكتشفوا أن الحلول العاطفية قاصرة، في كثير من الأحيان، لأنها تغفل عن رؤية جوانب متعددة للمشكلة.


ولربما اكتشفوا أن دمج العقل بالعاطفة هو أفضل المعالجات الممكنة، دون أن يعني ذلك النجاح التام لها.
فماذا عن المعالجة الأخيرة التي تدمج المعالجات الثلاث معاً، وتضيف لها شريحة الوعي الروحية، أو شريحة الوعي الباطن؟


لقد ثبت لغالبية البشر أن المشكلات المستعصية لا يمكن تفكيكها، ونفي صفة المستعصية عنها، إلا بإضفاء تفسير روحي ووجودي فلسفي عميق على الحالة المؤلمة التي يعيشون، مثل حالات فراق عزيز أو موته، ومثل الإصابة بمرض السرطان أو بمرض مزمن دائم، ومثل السجن، ومثل الفقر الشديد، ومثل الأمراض النفسية، ومثل الطلاق وتفكك الأسرة، ومثل التعاسة الزوجية، ومثل الحياة في ظل مجتمع متسلط، وغيرها.


إن التقنية التي استُخدمت من قِبل هؤلاء البشر في حل مشكلاتهم المستعصية، استعانت بكل الأدوات المتاحة لهم بشرياً، بما فيها (قوة الإيمان)، أو (قوة العقل الباطن)، أو قل على رأسها قوة الإيمان وقوة العقل الباطن، حيث تعد شريحة الوعي الإيماني، أو شريحة العقل الكوني لدى كثير من الناس، هي العامل الحاسم والمرجّح لنجاحهم في حل مشكلاتهم المستعصية.


كلما امتلك البشر معارف روحية ونفسية أكثر تقدماً وشمولاً وتنوعاً وعالمية، نجحوا أكثر من غيرهم في حل مشكلاتهم المستعصية، والتخفيف من آثارها، وسرعة إحداث ذلك كله.


يمكننا أن نقف طويلاً أمام جملة صوفية تقول: السعادة تتحقق عندما نستطيع التعامل مع حزننا، وليس بالبحث عنها.


ويمكنني أن أخبرك بارتياح أن المفتاحين الماسيّين لحل ذلك النوع من المشكلات هما مفتاح (التقبّل) للمشكلة، ومفتاح توقع حدوث (معجزة) الخلاص والتغيير.


لنتفق بدايةً أنه لا يوجد مشكلة لا حل لها، مهما بلغ تعقيدها..

كلما امتلك البشر معارف روحية ونفسية أكثر تقدماً وشمولاً وتنوعاً وعالمية، نجحوا أكثر من غيرهم في حل مشكلاتهم المستعصية، والتخفيف من آثارها، وسرعة إحداث ذلك كله.