غير العرب وغير المسلمين

يونيو 24, 2024 - 11:22
غير العرب وغير المسلمين

أحمد رفيق عوض

لا بد من أن نقارن بين مواقف دول غير عربية وغير إسلامية وبين مواقف دول يربطنا بهم الدين واللغة والتاريخ والمكان والمستقبل. نحن مُجبرون فعلياً على المقارنة، وهي مقارنة مؤلمة وجارحة وتقودنا إلى استنتاجات مؤلمة.


وحتى لا نقع في شبهة الردح أو توزيع الاتهامات الجاهزة والمقولات الرائجة، فإننا لن نأتي بالأمثلة والنماذج من مواقف تلك الدول مقارنة مع الدول الشقيقة على الإطلاق، فالمواقف المعلنة وغير المعلنة تتحدث عن نفسها، والسياسات الواضحة والغامضة ينشرها العدو قبل الصديق، والفضائح والفظائع تتطاير في الفضاء كما تتطاير الروائح الرديئة، لهذا لن ننشر الغسيل الوسخ، كما يقال، فهو منشور بما فيه الكفاية، ولن نكرر أيضاً التفسيرات والتبريرات التي تقال عادة لتفسير التخاذل أو التكاسل أو التواطؤ أو السكوت الضمني أو العلني، فقد قيل ويقال عن ذلك الكثير، وهو كثير لا يغني ولا يسمن من جوع، بل هو كثير مخجل وسيئ، فلا يمكن مثلاً مقارنة ما فعتله دول أمريكا اللاتينية، بما فعلته دولٌ نتوقع منها كل خير.


أقول ذلك لأن غير العرب وغير المسلمين هم المبادرون والفاعلون، وهم الذين يسعون إلى وضع الحلول، أو إلى الإحلال أو الإخلال بالأمن والأرض والدم. وما بين أولئك الذين يريدون حلاً وأولئك الذين يريدون إحلالا، نتحول نحن (الفلسطينيون والعرب) إلى الضحية المستهدفة والجثة التي تصبح مثل كيس الرمل عند الملاكمين في صالات الرياضة، أو نتحول إلى ملعب للغولف الذي تستمتع عليه وبه كل الأمم من عجم وروم وصقالبة وهياطلة وغيرهم من أجناس الأرض القريبة منا والبعيدة.


هناك من يستعين منا بغير العربي وغير المسلم من أجل الحماية ومن أجل التمويل، ومن أجل وضع الحلول لمشاكل صنعها، أو استخدمها غير العربي وغير المسلم ليبرر تدخله أو تحكمه أو تأثيره، ومنا من يستجلب غير العربي وغير المسلم لتخويف الأقربين، ومن أجل التمتع بالشرعية المفقودة أو الادعاء بها، وهناك من يأتي بغير العربي وغير المسلم من أجل الإيهام بالقوة والمنعة، أو من أجل التغطي أو التلطي بحلف مشبوه، أو جبهة تعمل ضد مصالح المنطقة.


غير العربي وغير المسلم الذي أقصده هو كل اولئك الذين يتحكمون بنا الآن، ويفرضون شروطهم علينا، ويجبرونا على التعامل والتعاطي مع معادلاتهم رغماً عنا، ولا يتم ذلك بالإقناع أو التفاوض، أو حتى أدنى شروط الاحترام، بل يتم ذلك بالقوة والإجبار العلني، ولم يعد أحدٌ يغطي ذلك بأية تبريرات. الآن، أصبح كل شيء شفافاً وواضحاً إلى حدود القبح الشديد. وأكثر من ذلك، صار التعاون معه ميزة وأفضلية .


غير العربي وغير المسلم، بتدخلاته وتأثيراته وإجراءاته، أسقط كل الشعارات الكبيرة، وفكّك الجغرافيا، وسيطر على النخب، فصارت الدول العربية القطرية تعاني الفقر والبطالة والتبعية، وتخشى الغزو أو التفكك أو الانفجار الداخلي.


الدولة العربية القطرية، لضعفها وخوائها وهشاشتها وخوفها، لا تستطيع أن تتخذ قرارات حاسمة أو قوية فيما يتعلق بالحرب المجنونة على الشعب الفلسطيني. ولفشلها لا تستطيع أن تشكل مع مثيلاتها العربيات حلفاً أو جبهة تتصدى للحرب المفتوحة على الجميع، فالحلف الذي يمكن لهم أن يشاركوا فيه هو ما يقال عن حلف إقليمي ذي أهداف عجيبة تم الإعلان عنها.


غير العربي وغير المسلم، وربما المسلم القريب للدقة والموضوعية، يستغل ظروف الفراغ والخواء في إقليمنا العربي للبحث عن مصالحه أيضاً. ليست هناك ملائكة على الأرض، وحتى ذلك الحين، فإن شعبنا الفلسطيني أولاً سيدفع فاتورة الغياب بالكامل، وهذا ليس عتباً ولا لوماً، بقدر ما هو كشف للحساب، ونفض لما تراكم من غبار على مشهد مرعب يراد تجميله، من خلال مسلسلات كاذبة خاطئة.


أخرت الكلام عن غير العرب وغير المسلمين الذين يسبقون العرب والمسلمين في المواقف التي أقل ما يقال عنها إنها جريئة وقوية وإنسانية، وأنها ليست مجانية أو استعراضية، بل هي مواقف قد تجر تبعات داخلية وخارجية. فلماذا يتخذ هؤلاء تلك المواقف وهم لا يريدون جزاء أو شكوراً؟ ولا ينتظرون منا شيئاً، لا مغنماً ولا حتى مصلحة قريبة أو بعيدة، ألا يعني وجود هؤلاء أن العالم ما يزال بخير، وأن الضمير الإنساني لا يموت، وأن حب العدل ونصرة المظلوم وتقديم المساعدة هو ما يميز الإنسان عن الحيوان؟


وأخيراً، ألا تدفع هذه المواقف إخوتنا العرب والمسلمين إلى المقارنة الحادة والموجعة، التي يتفاداها الكثيرون خجلاً أو ضعفاً أو كليهما؟

.....
الدولة العربية القُطرية، لضعفها وخوائها وهشاشتها وخوفها، لا تستطيع أن تتخذ قرارات حاسمة أو قوية فيما يتعلق بالحرب المجنونة على الشعب الفلسطيني.