القدس لنا.. كانت وستبقى

في مشهد استفزازي مريب، جابت مسيرة المستوطنين المسماة بمسيرة الأعلام شوارع القدس، تحت حراسة مشددة من جنود الاحتلال، هاتفين ضد الفلسطينيين، منشدين كراهية وعنصرية، متراقصين كالدببة، وفي داخلهم رعب الغريب، وخوف الطغاة، وجبن المحتل، ووحشة الوقت. وكان ذلك جليًا في عيون كل من تظاهروا بأنهم يحتفلون في شوارع المدينة المقدسة. والحقيقة كانت ظاهرة حتى في أصواتهم وهتافهم، مما يُظهر أنهم الغرباء الذين يتباهون باحتلال مدينة ليست لهم، ولن تكون لهم في يوم من الأيام، مهما حاولوا وعملوا، ومهما تفاخروا بالسيطرة العسكرية عليها، ومهما قتلوا واعتقلوا وجرحوا وهدموا.
هذا العام كان التمادي أكبر من كل عام، خاصة بعد اقتحام المستوطنين لباحات المسجد الأقصى. حيث أقاموا صلواتهم التلمودية بكل أشكال الاستفزاز، ورقصوا وهتفوا العنصرية في مشاهد مستفزة لكل الفلسطينيين والعرب، ولكل الإنسانية التي رأت وسمعت هذا التعصب الأعمى ومدى الغل والكراهية التي تملأ صدورهم، وكيف يعبّرون عن ثقافتهم الفاشية التي تسكن عقولهم ويستقونها من خلال مدارسهم التلمودية التي تعبئ فيهم الكره لكل أجناس البشر الأخرى.
وعلى هذا النحو من الغباء العنصري وفي ظل حرب الإبادة التي يمارسونها فقد أرادوا أن تكون مسيرتهم هذا العام تتويجًا لإرهابهم الدموي الذي لم يتوقف بعد، بل يتصاعد وحشيةً وعنفًا وإجرامًا.جاءت مسيرة ما يسمى بالأعلام هذا العام وسط المذبحة التي يتعرض لها شعبنا، وأراد من خلالها المستوطنين إيصال رسائلهم بهذا الشكل البذيء وهذه الصورة الحاقدة. لهذا، احتشدوا بأعداد كبيرة غير مسبوقة مطلقين شعارات عنصرية، تنادي بالموت والقتل لكل فلسطيني وكل عربي، وبأصواتهم البذيئة رددوا طقوسهم الفاشية، ظنًا منهم بأن بمثل هذه الترهات يمكن أن يصنعوا لهم تاريخًا مزورًا في القدس، والقدس تعرف أهلها وناسها وأصحابها مثلما تعرف أبناءها من أعدائها.
إن تلك التظاهرات والمسيرات والاقتحامات للمسجد الأقصى والصلوات التي يقيمها قطعان المستوطنين في باحات المسجد تحت حراسة مشددة ومباشرة من جنود الاحتلال، ما هي إلا وهم وضلال، يريدون من خلاله إضفاء شرعية دينية تنسجم وعمليات التهويد التي يقومون بها، وهي تعبر عن محاولاتهم للسطو على تاريخ هذه الأرض وسرقة التاريخ كما يسرقون الحاضر.
إن ما يفعله الاحتلال في القدس وما يقوم به المستوطنون الأغراب كل يوم منذ احتلال المدينة في حزيران 1967، يأتي في إطار ما يسمونه الحسم بالتهويد المباشر وغير المباشر، وبكل السبل والوسائل، وهم يسعون لطرد سكان المدينة وتفريغها من أهلها عبر سياسات شيطانية قديمة جديدة. وأمام كل هذا، فإن الواقع الفلسطيني لا زال حاضرًا، قويًا رغم محاولات عزل المدينة عن محيطها الفلسطيني و قادرًا على البقاء والصمود رغم قلة إمكانيات الدعم اللازم في معادلة الصراع التي يعمل الاحتلال جاهدًا على تهويد المدينة وطمس طابعها العربي الفلسطيني.
مسيرة الأعلام التي جابت شوارع القدس، والصلوات التلمودية في باحات المسجد الأقصى؛ هي امتداد لحرب الإبادة في غزة، وامتداد لكل عمليات الاغتيال والقتل والضم في مدن الضفة، وهي سياسة واحدة أساسها عنصري، تقودها حكومة اليمين المتطرف ضد شعبنا الفلسطيني في القدس وغزة والضفة.