"نار الفقد" تحاصر من قتلت الحرب أعزاءهم .. وأخطأتهم !

يونيو 8, 2024 - 10:08
"نار الفقد" تحاصر من قتلت الحرب أعزاءهم .. وأخطأتهم !

لا يعرف مهند سالم، الناجي الوحيد من عائلة قتلتها حرب الإبادة الإسرائيلية في "غزة" وطمرتها تحت ركام منزلها – لا يعرف، بالضبط، أي الأشياء على وجه التحديد تلك التي تقوده كل يوم إلى كومة الركام؛ حتى بعد أشهر من انتشال جثث أعزائه المدماة معفرة بالغبار!


برفقة ما تبقى في عينيه من دموع  و"بغصة حارقة في الصدر"، يواظب الشاب مهند (21 عامًا) على الحضور إلى كومة الركام الكبيرة التي كانت قبل نحو سبعة أشهر، منزلاً في مدينة غزة يؤوي عائلة من أب وأم وستة من الأولاد والبنات؛ لكنه لا يعرف على وجه الدقة أي نداءات من تحت الركام تستدرجه إليها كل يوم: أهو طيف الأم الذي يرافقه، حتى بعد موتها، مثل ظله .. أم هي الهدايا الصغيرة التي كان يخبئها والده في جيوبه كمفاجآت للبهجة، أو مشاكسات شقيقيه وشقيقاته الثلاث التي تنبعث في مخيلته، كما لو أنها حدثت أمس ؟!


قال مهند لـ"القدس دوت كوم" أنه كان برفقة أصدقائه خارج المنزل، حين سمع دوي انفجارات ضخمة هزت حي الشيخ رضوان شمال المدينة، ذات ليلة في "كانون الأول" العام الماضي؛ ليتبين، بعد أن هرع ووصل المكان رغم العتمة بفعل انقطاع الكهرباء، أن الانفجارات التي هزت الحي للتو، خلعت معها منزل العائلة ومنازل أخرى مجاورة تعود لأقاربه وحولتها إلى حطام في المكان حيث كانت قائمة .. مشيراً إلى أنه، هذه الأيام وبعد أن ذابت عيون أعزائه في الرمل، في "حيرة من الحياة": بين إن كان محظوظاً لأنه تصادف وجوده خارج المنزل لحظة القصف، أم أن المصادفة لم تكن، في واقع الحال بعد موت "أعز الأعزاء"، سوى فخ للقبض عليه وجعله رهينة لتعاسات ثقيلة ستقسم فيه ظهر الحياة !


"صحيح أنني أصبت بصدمة حيت رأيت حطام منزلنا، لكنني تعشمت بأن الحرب لن تقتل كل العائلة"!، قال مهند سالم وهو يشرح الفقد الذي مني به، بفعل حرب إبادة لا يزال أصحابها ورعاتها يصرون على أنها "حرب دفاع عن النفس"؛ موضحاً، وهو يعاند دموعه بصعوبة: فقدت أمي .. وفقدت أبي وثلاث شقيقات وشقيقين؛ كما فقدت، في تلك الليلة، أكثر من ستين من الآباء والأمهات، والأولاد والبنات والأحفاد، من عائلات أعمامي التي كانت تقيم في 4 منازل متجاورة؛ وزاد "مهند"، - كما لو أن المأساة التي يعيشها بفعل الحرب تستحق أن لا تروى باقتضاب –  قال: ذبحت الحرب القذرة من عائلة سالم التي أنتسب إليها نحو 140 شهيداً وشهيدة، من الجنسين ومن مختلف الأعمار .. وكانوا جميعهم يقيمون شمال وادي غزة.


في الإطار، وفي المحنة ذاتها التي يعايشها الشاب "سالم"، قال المواطن محمد الزويدي من بلدة بيت حانون شمال القطاع، أن الحرب الإسرائيلية التي تتجول شمال وجنوب وادي غزة دونما التزام بالمزاعم الواهية عن أن الحرب تركت للفلسطينيين أمكنة آمنة - قال لـ"لقدس دوت كوم"أن الحرب لم تقتله، كما لم تقتل والده واثنين من أشقائه


.. "لكنها قتلت أمي .. وأشقاء آخرين؛ وتتملكني، أحياناً، "عقدة ذنب" لأني نجوت"!!


وبما يشبه "الثقل الكبير على الصدر" الناجم عن فقد الأعزاء بفعل "هذه الحرب الملعونة"، كما تنعتها الكاتبة الواعدة فداء زياد المهتمة بتتبع لوعات النساء الثاكلات بفعل الحرب وتدوينها على جدار صفحتها في "الفيسبوك" – بالثقل الكبير على الصدر، قالت فداء أن الأم والزوجة "بسمة" من مخيم النصيرات تواصل، كل يوم، انتظاراتها الممضية بأن تنتهي الحرب .. أو أن يغادر جيش الاحتلال المكان الذي يعسكر فيه، وهو على مسافة 2 كيلومتر من منزل العائلة؛ لكي تبحث في المكان عن جثتي زوجها وأحد أولادها؛ لعلها تعثر على الجثتين وتدفنهما بما يليق بكرامتيهما.


في حديثها القصير مع "القدس دوت كوم"، قالت فداء زياد أن زوج ونجل "بسمة" قتلهما جيش الاحتلال يوم 6 "آذار" الماضي وهما يحاولان اللحاق بشاحنة كانت تنقل الطحين ومواد إغاثية؛ في محاولة منهما للتغلب على الجوع الذي أخذ يحاصر العائلة في حينه، مشيرة إلى أن الزوجة والأم كانت سمعت صراخ زوجها أثناء اتصالها به عبر "الجوال" وهو ينادي على نجلهما (فتى بعمر17 عاماً) قبل أن يطلق جنود الاحتلال الرصاص عليه؛ لكنهما (الزوج والابن) قتلا على أيدي الجنود، حسب معلومات أخبرت بها العائلة من قبل شهود تواجدوا في المنطقة .. ولم يحظيا، حتى الآن، بدفن أو وداع.


كما هو معروف، ليست المذابح المروعة التي صنعت مآسي مهند سالم ومحمد الزويدي و"بسمة"، ليست سوى ثلاث من بين مذابح جماعية عديدة لا تزال تفرخها حرب الإبادة المستمرة، حيث تؤكد جهات مهتمة بتتبع عداد المذابح الإسرائيلية في هذه الحرب أن أكثر من 47 عائلة أضافت الحرب كل أفرادها إلى سجلات الشهداء، وهو
(الرقم الأكثر من 47) لا يشمل مئات العائلات التي استشهد جل أفرادها أو بعضهم بفعل القصف وتهديم المنازل فوق رؤوس من تؤويهم .. الحرب التي، كما قالت فداء زياد، "لم تبق لمن نجوا مساحة لكي يفاضلوا بين شعور وشعور؛ كمن فقد يديه والجميع يحتضنه، لكنه لا يقوى على احتضان نفسه" !