57 عاماً من "النكسة".. الصمود الفلسطيني والتضامن الدولي يُحبطان مشاريع الإبادة والتهجير

يونيو 5, 2024 - 09:43
57 عاماً من "النكسة".. الصمود الفلسطيني والتضامن الدولي يُحبطان مشاريع الإبادة والتهجير

بالرغم من مرور 57 عاماً على نكسة فلسطين، وما تركه ذلك من إطباق الاحتلال الإسرائيلي سيطرته على فلسطين التاريخية، تُعيد حرب الإبادة التي تُرتكب بحق قطاع غزة، وما تشهده الضفة الغربية من إجراءات غير مسبوقة، إنتاج الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني.

ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومؤرخون، في أحاديث منفصلة لـ"القدس"، أن الحرب لا تزال متواصلة على الشعب الفلسطيني، لكن في المقابل، فإن الشعب الفلسطيني صامدٌ على أرضه، ومصرٌّ على عدم تكرار تجربتي النكبة والنكسة، معتبرين أن الحرب المتواصلة على قطاع غزة، وما تشهده محافظات الضفة، بما فيها القدس، من اعتداءات واقتحامات واعتقالات واغتيالات يومية، تفوق النكبات والنكسات.

ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي د. رائد نعيرات أن النكسة تضمنت عاملين أساسيين، هما: الاحتلال، والتأثير النفسي، موضحاً أن الاحتلال والاستيطان وكل ما يتعلق بهما لا تزال مستمرة، فيما يعتقد أن الهزيمة النفسية التي تركتها النكسة قد تم تلافيها، وهناك حالة تصاعد لصالح الفلسطينيين.

ويشير نعيرات إلى أن ما يجري حالياً من حرب على الشعب الفلسطيني، بقيادة اليمين الإسرائيلي، هو استكمال لحرب النكسة. 

ويضيف: إن الضفة الغربية تشهد تصعيداً مستمراً لتعزيز الاستيطان، حيث يعتبر الإسرائيليون أن الإرث اليهودي موجود في الضفة الغربية، إضافة إلى السعي لكسر شوكة الفلسطينيين، خاصة في غزة، والسيطرة على الأرض.

ويقول نعيرات: "ربما يحدث هدوء واتفاق في قطاع غزة"، لكنه يُستبعد حدوث هدوء في الضفة الغربية، مشيراً إلى أن ذلك يأتي في إطار استكمال المشروع الاستيطاني لدولة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بالضفة.

بدوره، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي عماد موسى أن المشروع الصهيوني يعيش حالياً ذروة عصره الذهبي بسبب الانحياز الأميركي الكامل له، وفي ظل التحولات الدولية يتم الإسراع في تنفيذ أهداف وخطط المشروع. 

ويوضح موسى أن الحرب الحالية على الشعب الفلسطيني هي حلقة جديدة في هذا المشروع، تهدف إلى السيطرة المحكمة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وتهجير المواطنين المتبقين.

ويشير إلى أن المشروع الصهيوني خلال السنوات الماضية كان ينفذ خططه تدريجياً وبشكل صامت، أما الآن فيتم تنفيذها بشكل علني. 

ويلفت موسى إلى أن الاستيطان في الضفة الغربية زاد بعد اتفاق أوسلو، حيث تمت محاصرة القرى الفلسطينية بالمستوطنات، والإسرائيليون الآن يستكملون تحقيق أهداف النكسة.

ويحذر موسى من أن الأسابيع والأشهر المقبلة قد تشهد تصعيداً خطيراً ما لم يتخذ المجتمع الدولي قراراً بتطبيق الأجندة الدولية ووقف العدوان على قطاع غزة، والتهدئة في الضفة الغربية، والاعتراف بدولة فلسطين، مؤكداً أن عدم حدوث ذلك يعني الدخول في دوامة جديدة من الحرب والدمار خاصة في الضفة الغربية.

من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي فراس ياغي أن ما يحدث في غزة محاولة لنفي وجود الشعب الفلسطيني، حيث تحاول إسرائيل إنتاج نكسة ونكبة جديدتين، لكن جاء الرد العكسي، فتضامن العالم مع القضية الفلسطينية.

ويقول ياغي: "إن إسرائيل حاولت أن تستغل الفرصة بعد السابع من أكتوبر، وأخرجت كل المخططات لتهجير الشعب الفلسطيني وإتمام المشروع الصهيوني، لكنها فشلت بذلك، لأن كل العالم التفت إلى القضية الفلسطينية، وأدرك أنه لا حل إلا بالاعترف بالدولة الفلسطينية، فتوالت الاعترافات الدولية".

أما الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات، فيقول: "إن ما يجري يؤكد أن بناء المشروع الصهيوني مستمر، حيث جاء ذلك قبل سنوات عبر مشروع القومية اليهودية للدولة، وجاءت صفقة القرن لتعزيزه، وقبل أسابيع قليلة من الحرب على قطاع غزة وقف رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة، ورفع خريطة الشرق الأوسط الجديدة التي تتضمن رؤية المشروع الصهيوني".

ويؤكد بشارات أن ما يجري في الضفة الغربية، وكذلك في بدايات الحرب في قطاع غزة، والدفع باتجاه تهجير مواطني غزة إلى أراضي سيناء، يعد جزءاً من استكمال المشروع الصهيوني.

وفي المقابل، يرى بشارات أن المواطن الفلسطيني أصبح منظوره مختلفاً عما كان في النكبة والنكسة، حيث لم تكن لديه حينها القدرة والثقة على الصمود، والآن أصبح أكثر وعياً وإصراراً على المواجهة وتمسكاً بالأرض، وما يجري يؤكد أن الفلسطينيين ما زالوا صامدين، على رغم الظروف التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي فرضها.

ويشير إلى أن المشروع الصهيوني بقي ثابتاً في إصراره على التنفيذ، لكن المتغير هو صمود الشعب الفلسطيني ليفشل أو يبطئ ذلك المشروع.

بدوره، يشدد الباحث والإعلامي عبد الباسط خلف على ضرورة إعادة النظر في استخدام مصطلحي "النكبة" و"النكسة" لوصف الأحداث التاريخية التي وقعت في عامي 1948 و1967، لأن ما حدث يفوق وصفه بـ"تسونامي" وهزة أرضية بأعلى الدرجات، معتبراً أن الفلسطينيين يعيشون اليوم مرحلة تفوق ببشاعتها أحداث النكبة والنكسة مجتمعة، تصل إلى حد الإبادة.

ويوضح خلف أن النصر والهزيمة قراران يجب أن يتخذهما الفلسطينيون بأنفسهم، مشيرًا إلى أن قبول مصطلحي "النكبة" و"النكسة" أسهم في جعل الهزيمة جزءًا من التفكير اليومي، وقزّم الاستلاب.

ويشير إلى أن الأشهر الثمانية الماضية شهدت عشرات المآسي والنكبات بشكل متزامن، حيث تحدث الهزائم اليومية الكبرى والصغرى، سواء أكانت "ذاتية الصنع" من الفلسطينيين أنفسهم أم قسرية، وما حدث في قبل 76 سنة و57 سنة يتكرر اليوم بوتائر عالية، داعياً إلى تحدي فكر الهزيمة والتحصين ضده لتجنب وقوع هزائم أخرى أشد مرارة.

ويؤكد خلف أن التعافي من الهزائم يتطلب برامج عملية، مشددًا على أهمية صياغة "عقد وطني" مكتوب يؤكد ضرورة صمود الفلسطينيين على أرضهم وعدم مغادرتها، ويمر عبر تعزيز الصمود بعيدًا عن الشعارات، وإشاعة الأمل والانتماء للأرض عبر تكريس الوجود الفلسطيني ببرامج عملياتة ومستدامة.

ويركز خلف على أن رفض الهزيمة يبدأ بـ"المناعة" الذاتية، إذ أن الإنسان الفلسطيني يجب أن لا يُهزم من الداخل، داعياً إلى عدم استخدام مصطلحات تدعو للهزيمة، بل ترسخ الروح الوطنية في النفوس لمنع تسلل الهزيمة الداخلية.

بدوره، يدعو الباحث في التاريخ الفلسطيني زهير الدبعي إلى إعادة النظر في استخدام مصطلحي "النكبة" و"النكسة"، مؤكدًا أن تسميتهما الحالية لا تعكس حقيقة الأحداث ولا تساعد في فهمها وتحليلها بشكل صحيح. ويوضح الدبعي أن وصف "النكسة" بما تعرض له الفلسطينيون من أحداث غير دقيق، مشددًا على دراسة أسبابها واستخلاص العبر منها، كما أن النكسة كانت لها نتائج سلبية أكبر من النكبة. 

ويوضح الدبعي أن النكسة وجهت ضربة قاسية لفكرة الوحدة العربية، مما أدى إلى الاحتراب الداخلي وصعود القوى السياسية والطائفية، وسط تنامي القوى الدينية الفاشية العدائية في المجتمع الإسرائيلي.

ويؤكد الدبعي أن تسويق حرب التحرير الشعبية بعد هزيمة 1967 كان رهانًا مفرطًا، وأنه كان يجب التركيز على أهمية المقاومة والصمود داخل فلسطين، كما أنه بعد 57 عامًا من النكسة، يتضح أنه كلما تنازل الفلسطينيون، زاد الاحتلال من مطالبه، مشددًا على أن الاحتلال يسعى إلى فلسطين بدون أهلها وشعبها وهويتها وثقافتها.

ويدعو الدبعي إلى إثارة النقاش حول كيفية تعزيز الصمود الفلسطيني بشكل جماعي، سواء من قبل المعارضة أو السلطة وفي كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني. 

ويشير الدبعي إلى أن ما يحدث الآن أصعب من النكسة والنكبة، ورغم محاولات طمس الهوية الفلسطينية، فإن الفلسطينيين ما زالوا موجودين، مؤكداً على أهمية الصمود الجمعي والمشاركة الجماعية لتحمل مسؤولية البقاء.

دل