في زمن التيه

مايو 20, 2024 - 17:09
في زمن التيه

يداهمنا الشوق للاشتباك مع حقيقتنا، ويداهمنا الشوق لكرامة الأنبياء ومنهم نتعلم ونسطر معانينا ومرامي مفرداتنا، ونتوق للعيش في فسحة الأمل من عطاء عودة الشهداء إلى المشهد وهم العائدون بابتسامة محيرة مقلقة لمن يتربص بصرخة الطفل القابض على لعبته في الدروب العتيقة.

كان بالأمس القريب وربما البعيد وطن أُستبيح بوضح النهار لكنه مسيج بحماية المؤمنين بعدالة قضاياه، وبحقه بتقرير المصير وأن يكون ذا هوية واضحة المعالم، وكانت أن أيقنت جماهير هذا الوطن بعقيدة الفعل والفعل المضاد في سبيل العيش والصمود بالأرض السمراء، كان بالأمس القريب وربما البعيد ثلة من المؤمنين بالقدرة على التصدي والمواجهة ومناطحة العين للمخرز والتحدي والنطق بلغة الضاد، والإيمان بحتمية الانتصار والعيش واستمرار الحياة كيفما يجب أن تكون بعزة وكرامة وشموخ، كانت بالأمس القريب وربما البعيد الخطوة الأولى في مسار الألف ميل لجموع الفقراء اللاجئين، وكان الحلم بصناعة الثورة والثوار وامتشاق بنادق الأحرار للخروج من بوتقة السكون والركوع والإرتكان للآخرين بتقرير مصير الخيام المنتشرة في بيداء التيه وعند هوامش الوديان في بلدان الجوار للأرض المقدسة عاصمة الكون والسماء.

كان الإيمان سيد الموقف بضرورة الخلق والإبداع والإجماع الوحدوي للكل في إطار الانتفاض والانقضاض على المؤامرة الهادفة للقلع والإقلاع وتذويب المعنى لحقيقة الفلسطيني ضمن خطة التصفية الكبرى بأضلاعها المحلية والإقليمية والدولية من خلال المخطط الكوني الأممي لشطب سيدة الأرض من على خارطة الوجود.

كان بالأمس القريب وربما البعيد من آمن بضرورة التحرر والتحرير وإطلاق إرادة الأحرار والفعل والصمود بأرض الرباط وتوفير مقومات الصمود، وانتصار الشاة على السكين..

بالأمس القريب كان الصوت الهادر عنوان للمرحلة، والآن أضحى الصوت خافتا مطاردا بكل أزقة المدائن الجديدة المشوه والمتعالية البنيان والعسس يلاحقون صدى الصوت المرتد عن جدران الغضب..

بالأمس كانت القوانين الحاكمة قوانين مرحلة التحرر والتحرير ولا صوت يعلو على صوت الجماهير، واليوم أصبحت قوانين التغول المالي والبزنس من ترسم معالم وحقيقة لغة السوق والتسوق وبالتالي كان ما سيكون من تغيير شامل في منظومة المفاهيم للعلاقة الجدلية مع رأس التنين، حيث المفاهيم الجديدة، بعبثية المقاومة على مختلف أشكالها وتنوع أساليبها ووسائلها، وصار الاشتباك الدبلوماسي السياسي على رأس أولويات العمل والفعل، وصار الفعل للتأثير في تحسين معالم مراكز القوى المرتبطة بحيثيات معادلات التغول والمصالح...

برجاء الانتباه، ولا بد لكم من الانتباه، وعدم الإنجراف، ففلسطين ما زالت تحت الاحتلال، والإسم الرسمي لها (الأراضي الفلسطينية المحتلة) وقوانين الثورة الشعبية والمقاومة هي من تفرض نفسها وذاتها قسراً، وإن حاول البعض تهجين وتدجين قوانين مرحلة فلسطين.. قولوا (لا) للاحتلال، لا أختلف معكم، وحاولوا قول ( اللا ) لمن يحاول أن يقول ( النعم ) العبثية واخرجوا بغضبكم ولوحوا بقبضات أياديكم بالسماء، وارفعوا راية فلسطين ولا تخجلوا من انتمائكم وفكركم، فنحن متنوعون والطبيعي أن نكون كذلك. لا تموتوا تحت وطأة التنكر للتاريخ النضالي الثوري المقاوم، ولا تخرجوا من عباءة الفعل الكفاحي المتراكم واعلموا، انما أنتم امتداد لهذا التاريخ الذي بدأ منذ عقود.

ويا أيها المتجمعون والعابرون بميادين الوطن مطرقين تائهين في ظل ضياع بوصلة التوجه نحو سيادة الوطن وحريته وانعتاقه من التاريخ المتطفل عليه... إعلموا أن الفعل له قوانين وأن العمل له أصول وأن بوصلة لا تشير باتجاه القدس مشبوهة وقد تكون عميلة في ظل الزمن الذي صارت فيه العمالة وجهة نظر.... اطرقوا حديدكم واجمعوا ثنايا مبعثراتكم وحاولوا أن تعيدوا لفلسطين بهاءها من خلال فرض الحقيقة الواحدة غير القابلة للتفسير إلا بتفسيرها الصحيح، وتمنطقوا بمنطق أبجديات كنعان الأولى، واستندوا إلى كل الرافضين المقاومين والصارخين بوجه عتمة (النعم) التي أدخلتنا في أتون ظلامية القيصر...

فأنتم لستم العبيد الجدد تحملون حطب نيرانهم، وانتم منذ الولادة فلسطينيون، عرب أقحاح، كنعانيون ولغتكم بالضاد مفهومة ومعلومة... و(اللا ) منذ البدايات يبوسية مفهومة تقارع (النعم) الفارغة المفرغة من مضامينها.. والبحر كالصحراء لا يروي العطش، لأن من يقول (لا) لا يرتوي إلا من الدموع حتى يصير (للنعم) مفردة صحيحة في أبجديات الكلام وصياغة الجملة المفيدة... ولترتقوا لمرتبة الثائر المعلق على مشانق الصباح منذ أن اعتلى منصة الصراخ والضجيج وإثبات الذات الجمعية الجماعية لفلسطين المقاومة الثائرة الغاضبة الرافضة لعبثية قياصرة وأباطرة المعابد المُشيدة في جزر الممالك الجديدة المُمزق من خلالها جمال هذا الوطن.... واعلموا أيها الأعزاء المحاولين أن تصنعوا مجدكم من جديد وليس لكم من مفر، لا تحلموا بعالم سعيد، فخلف رحيل كل قيصر قديم قيصر جديد وخلف كل ثائر يموت ضجيج وميلاد ثورة مجيدة جديدة... افترشوا ميادينكم واعلنوا زحفكم نحو الحقيقة وانبذوا قياصرة وأباطرة صناعة الكلام الثغاء الأحوى، وتتطهروا من الأدران العالقة على جذوع المشانق المقطعة من أشجار براري الأرض الثكلى.

يا ايها القاتل المتجول في الشوارع، الآن اعلن عن خطيئتك واستغفر وأعد لنا أدميتنا وحقيقتنا ولا تتعالى على ضحاياك بعد أن سقتهم إلى مذابحك مرات ومرات...

يا قياصرة الصقيع.. تعبنا من البرد ونشتاق للدفء، -----ودفؤنا---------- بإعادة الكرامة مرة أخرى لنا، وكرامتنا من كرامة تاريخنا وشموخ شبابنا، وبنادقنا لا بد من أن تعود مزينة لأكتاف الثوار المتمردين على الجبال والوديان والمطوعين لدروب الليل وعشاق العتيقة لا شك أنهم بالإنتظار ...

يا سادة العتمة والليل اعطونا الفرصة لينبثق الفجر من جديد وتعود فلسطين تزدان بلوحات عزها وشرفها بعد ان صارت مستباحة بحفنة المال الملوث من صناديق الشحاذة في أسواق النخاسة...

يا سادة الليل، إن أردتم أن تنصبوا المشانق لتصنعوا مجدكم فافعلوها مرة وارحلوا عن مجدنا وافسحوا لنا الطريق... ويا أيها الآتون من علب الليل، اسمحوا لنا أن نحبكم ولو قليلا ولا تستخفوا بنا واحتملوا وجوهنا السمراء فقد لوحتها شمس كل الشهور الحارقة فقد كنا بإنتظار انبلاج النهار .... هناك حيث لا مكان لنا بدروبكم وبشوارعكم ...

يا أيها الرجال ودعوا زوجاتكم وقبلوا نساءكم واحنوا على أطفالكم، فالموت قد يكون الحقيقة الوحيدة لمن يقول ( اللا ) بوجه عتمة ( النعم ) العابثة الصارخة القاتلة... يا رجال العصر أعيدوا للقحطاني مجده وللقسام وسامه وللوزير الخليل عناده وللياسر قوله ورمزه وللحكيم غضبه... أعيدو لبنت الشاطىء القادمة من بؤس شقاء حواري شاتيلا وصبرا الشيء اليسير من تاريخ أزهايجها.. أيها الرجال أعيدوا لنا مجدنا وانبذونا إن استطعتم إلى ذلك سبيلا فقد أصبحنا متعقلين وعقلاء ما يسمى بالمرحلة ....

(هانيبال) سيتم الإعلان عن قدومه، ولن يرضى عنه من استباح شوارعنا وكان من المحرم على الفقراء عبورها... و(هانيبال) سيأتي على رأس الجند من جديد ويعتصم وإياكم في ميدان تصنعوه بشكل جديد بالحلم الجديد لبؤرة الوطن الجديد...

( ... لا خير في أمة يكون السيف في يد جبنائها، والمال في يد لصوصها، والقلم في يد منافقيها... ) .