الحكمــة مـن الابتــلاء

أكتوبر 23, 2024 - 09:17
الحكمــة مـن الابتــلاء

أفنان نظير دروزة

من سنة الله في خلقه أن يبتليهم بشيء من الخوف والجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات، ويبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. والابتلاء على أشكال، كخوض الحروب، والإصابة بالمرض، وقلة الرزق، وفقدان عزيز، وخسارة في تجارة وممتلكات وغيرها من الابتلاءات التي يبتلي الله بها الإنسان.

ولأن الله سبحانه وتعالى رحيم بعابده، عليم بأحوالهم، رؤوف بهم، حريص عليهم، فقد أمرهم ألاّ يهنوا ولا ييأسوا ولا يحزنوا إزاء ما يتعرضوا له من مصائب؛ ويطمئنهم، في الوقت نفسه، بأن فرج الله آت، ورحمته واسعة ولا ينسى من فضله أحد، وبأنه هو القاهر فوق عباده، القادر على تبديل حالهم بأحسن حال.  

وبالتالي، فما على المؤمنين إلاّ أن يتحلوا بالصبر، ورباطة الجأش والإيمان، والعزيمة والصمود، وأن يفوضوا أمرهم إلى الله ويتوكلوا عليه، وألا يستسلموا للصعاب، وكأنه يريد أن يهدئ من روعهم ويطمئنهم ويقول لهم: إنني معكم أسمع وأرى، وأن لكل مشكلة حل، ولكل شدّة نهاية، وكل معاناة، في النهاية، هي لصالح المؤمن، وما ابتلاهم إلا ليعلمهم درساً بأن يكونوا أكثر صبراً، وأكثر حلماً ورويّة، وأكثر حكمة وبعد نظر، وأكثر عقلاً وموضوعية في معالجة الأمور.  والأكثر، حتى يحثهم أن يلتجئوا إليه في كل وقت وفي كل حين، وأن يتقربوا إليه في السراء والضراء، ويعترفوا بذنبهم، حتى إذا كانوا مسيئين فليستغفروا، أو محسنين فليستزيدوا. 

إذن، فالابتلاء هو بمثابة الأداة التي يخاطب الله بها عباده ويقول، بأن الحياة ليست مفروشة بالورود دائماً، وإنما محفوفة بالمكاره والصعاب والشدائد والأزمات والحروب والزلازل والبراكين والأمراض والظلم والقهر، والتي لا يتغلب عليها أو يتجاوزها إلا من آمن وصبر. إنه الوسيلة التي تذكر العبد بأن يشكر الله ويحمده آناء الليل وأطراف النهار على نعمه وآلائه، والتي لم يكن يعرف قيمتها لولا حرمانه منها إلى حين؛ ومن ثم فالابتلاء درس يعلمه ألاّ يتوانى عن عمل الخير، وأن يشعر مع الفقراء والمحتاجين وعابر السبيل ومساعدتهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا.  إنه درس يعلمه أن يؤمن ويصبر ويحتسب؛ وذلك حتى يعيش الحياة دون وهن، أو ضعف، أو يأس أو ملل، وإنما بإيمان قوي وعزيمة قوية، وإرادة صلبة وسعادة وهناء