قمة المنامة تقدم في الشعارات وعجز مزمن في التنفيذ

مايو 20, 2024 - 17:09
قمة المنامة تقدم في الشعارات وعجز مزمن في التنفيذ

عُقدت القمة العربية العادية لـ 33 في المنامة يوم الخميس 16/ 5/ 2024، بغياب ستة من قادة الدول العربية، الجزائر وتونس والإمارات والمغرب وعُمان والكويت، ومنذ عام 1945، عقدت 33 قمة عربية عادية و13 قمة طارئة، وتلك القمم لم تأت بجديد على صعيد الالتزام بتنفيذ القرارات التي يجري الاتفاق عليها، فيما يخص التعاون والتنسيق والتضامن العربي، وما يخص القضايا المتعلقة بالأمن القومي العربي والتكامل الاقتصادي، وما يقول العرب إنه قضيتهم الأولى، قضية الشعب الفلسطيني، ولا نجافي الحقيقة بأن هناك إرادة عربية رسمية غائبة، وعدم امتلاك القادة العرب لإرادتهم وقرارهم السياسي المستقل، فالعديد من القمم العربية، عقدت بناء على طلب أمريكي وعلى عجل، كما جرى في القمة التي عقدت من أجل تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية.


المهم هنا أن المواطن العربي لم يحدُهُ يوماً أملٌ أو ثقةٌ بتلك القمم، التي بات العزوف عن متابعتها وعدم سماع بياناتها الختامية سيد الموقف، فهذا المواطن بات يعرف تماماً أن تلك القمم لا تجد قراراتها طريقها للتنفيذ، إلا إذا كان هناك قرار خارجي غير عربي، يطالب بالتنفيذ لبنود محددة منها.


القمم العربية كانت عاماً بعد عام تسير من انحدار إلى إنحدار أسوأ، والمواطن العربي مل سماعها أو متابعتها، فعلى سبيل المثال، عقدت قمة عربية في بيروت في آذار/2002، وتبنت مبادرة سعودية للسلام، سميت بمبادرة السلام العربية، كان عنوانها "الأرض مقابل السلام"، رفضتها إسرائيل بلسان شارون رئيس وزرائها آنذاك، وقال بأنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به، وفي ظل حالة العجز العربي الرسمي وعدم امتلاك القرار السياسي والإرادة، بقي النظام الرسمي العربي، يرحل تلك المبادرة من قمة إلى أخرى ويهبط بسقفها السياسي لكي تقبل بها إسرائيل، لتصل في النهاية إلى تخل كامل عنها، وإستبدالها بـ"التطبيع مقابل السلام".


يحضر القادة العرب تلك القمم عادة مدججين بالجمل الإنشائية والعبارات المنمّقة تجاه القضية الفلسطينية، ولكن قراراتهم تبقى معلقة في الهواء، حيث المسافة شاسعة بين القول والفعل، ومن بعد معركة 7 أكتوبر/2023، التي ردت عليها إسرائيل بحرب عدوانية شاملة بعقلية ثأرية انتقامية، فيها الكثير من التوحش، وبما يستهدف القتل والتدمير وينتج إبادة جماعية، وجرى استخدام التجويع والطرد والتهجير في تلك الحرب على نطاق واسع، وبات واضحاً أن تلك الحرب غير محددة الأهداف ولا واضحة الآفاق، وفقط هدفها تحويل قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة، في ظل عجز عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية المتطرفة التي خرج الجيش الإسرائيلي لتحقيقها، القضاء على المقاومة الفلسطينية وقادتها، واستعادة الأسرى بدون تفاوض مع المقاومة، وتدمير القدرات التسليحية والعسكرية للمقاومة والأنفاق الهجومية، وصولاً للطرد والتهجير لعدد كبير من أبناء قطاع غزة إلى سيناء أو لعدد من الدول العربية والأوروبية، ضمن ما يسمى "الهندسة" الجغرافية لقطاع غزة، وانتهاءً بإعادة رسم خرائط المنطقة وإعادة تشكلها من جديد ضمن ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد.
كان الأمل والتوقع أن تبادر الدول العربية والإسلامية إلى عقد قمة عربية وإسلامية عاجلة وطارئة، لاتخاذ قرارات ترتقي إلى مستوى وحجم العدوان الوحشي والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وطرق الرد على هذا العدوان، ولكن المواطن الفلسطيني والعربي خاب ظنه وزاد إحباطه من القادة العرب، والذين لم يجرؤوا على اتخاذ أي خطوة عملية، حتى اتخاذ قرار بإدخال المساعدات الإنسانية والغذائية، ولتعقد قمة عربية– إسلامية "طارئة" بعد 36 يوماً من العدوان في السعودية، ورغم تدني مستوى القرارات التي جرى اتخاذها في تلك القمة، لم يبادروا إلى تنفيذها.

قمة المنامة، المهم هنا على مستوى النداء، وجدنا في البيان الختامي نداءات من أجل وقف الحرب على القطاع، وفتح المعابر، وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية، أما على الصعيد السياسي، فهناك دعوة لنشر قوات حفظ سلام دولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وصولاً إلى مذكرة عربية ستحملها اللجنة المشكلة من وزراء الخارجية العرب إلى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، طلباً لعقد مؤتمر دولي حول القضية الفلسطينية، ولتحديد جدول زمني من أجل إقامة تلك الدولة، وصولاً إلى وضع الفصل السابع على الطاولة لفرض تطبيق القرارات الدولية حول فلسطين.


ويبرز هنا السؤال المركزي، كيف سيجري تطبيق هذه القرارات؟ ومسيرة دولة الاحتلال، وما رأيناه في هذه الحرب العدوانية، بأن دولة الاحتلال لا تأبه بقرارات الشرعية الدولية، حتى أن جلعاد أردان مندوب دولة الاحتلال، في التصويت الأخير للجمعية العامة على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وبعد أن صوتت الدول بأغلبية ساحقة لهذا القرار، وفي استهتار بذلك القرار وبالأمم المتحدة، مزق علناً صفحات من ميثاق الأمم المتحدة، فأمريكا جاهزة لجعل دولة الاحتلال فوق المساءلة والقوانين الدولية، وهي دائماً متحفزة وحاضرة، لكي تتخذ حق النقض" الفيتو" لكي تمنع صدور أي قرار بإدانتها لخرقها للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، أي توفير الحماية السياسية والقانونية، بل وحتى ممارسة البلطجة والقوة في منع صدور أي قرار أو مذكرات اعتقال بحق قادة اسرائيل، أمثال نتنياهو وهليفي وغالانت، من قبل محكمة الجنايات الدولية بتهم ارتكابهم جرائم حرب.
هذه العقدة الأمريكية بحاجة إلى حل، عقدة حلها يحتاج إلى قيادات عربية غير مرتجفة وخائفة ومنهارة، قيادات مالكة لإرادتها وقرارها السياسي، والسير بهذه القرارات حتى النهاية.

ولذلك تبقى تلك القرارات بلا قيمة، ما لم يجر حل العقدة الأمريكية، فالعرب أموالهم في البنوك الأمريكية، والشركات الأمريكية تدير ثرواتهم من النفط والغاز، وأسواقهم مصدر عوائد كبير للشركات الأمريكية من البضائع الاستهلاكية التي تصدرها لهم، وقواعدهم العسكرية منتشرة في الكثير من الدول العربية، وهم مصدر دخل كبير لكارتلات ومصانع السلاح الأمريكي، حيث يشترون أسلحة أمريكية بالمليارات، ويكدسونها، يحتاجونها أو لا يحتاجونها، ويستخدمونها فيما تقرره لهم أمريكا خدمة لحروبها ومصالحها، وهي تقف دوماً إلى جانب دولة الاحتلال، وتصطف خلفها في حربها ضد قطاع غزة، وتتنكر لكل حقوق الشعب الفلسطيني، وهي لا توفر لا أمنا ولا حماية لأي دولة عربية تحت عباءتها، لو جرى تهديد أمنها القومي على خلفية علاقتها بامريكا.


ويبقى السؤال الكبير، أنه حتى يبقى للقمة لون وطعم ورائحة، وكي يساوي بيان القمة أكثر من قيمة الحبر الذي كتب به، وهو الجواب عن سؤال، هل لدى الحكام العرب شجاعة وضع العلاقة بأمريكا في كفة ومطالبهم حول غزة وفلسطين في كفة موازية، وتخيير أميركا بين خسارتهم لإرضاء دولة الاحتلال، أو التصرف وفق قانون المصلحة، بتلبية المطالب العربية؟