الحكومة, الانتخابات والوحدة: ما هي استراتيجية الخروج؟
مقال اليوم يتناول البيت الفلسطيني الداخلي, تحديات الاحتلال يومية وتعمق بيئة عدم اليقين, وهذا يجب ان يدفعنا للتفكير والتخطيط الاستراتيجي, ان نفكر بما يمكن تحقيقه فلسطينيا لمواجهة التحديات. الاختصاص مهم وخلط الأوراق مربك ومشتت للمصلحة الوطنية: يظن البعض ان تشكيل حكومة جديدة من شانه ان يقلب الأحوال, التغيير صحي بلا شك في أي مكان او مؤسسة, وهنا ضروري تذكير المهتمين في الشأن العام ان الحكومة مهامها تنفيذية وخدماتية لتوفير حاجات المواطن, ووجود وزراء اكفاء من التكنوقراط حسب الاختصاص قد يفي بغرض تقديم الخدمات للمواطنين وإيجاد حلول للتحديات الداخلية, ضروري ان يركز الوزراء علئ اختصاصهم الخدماتي والتنفيذي في اقتراح الحلول لمواجهة التحديات وخدمة الجماهير بعيدا عن العمل السياسي والدبلوماسي , ليس من اختصاص الوزراء مناداة المجتمع الدولي لحل الازمات او اقتراح الخطط والحلول بل عليهم مسؤولية المبادرة والتفكير وطرح الحلول!
الحكومة اختصاصها خدماتي للمواطنين اما الاختصاص السياسي فياتي من الانتخابات لإعادة الحياة للسلطة التشريعية وتفعيل المسائلة والمحاسبة حتى نضمن نجاح الحكومة التي عادة تكتسب شرعيتها من صناديق الاقتراع! مع نهاية ٢٠١٨، ظهرت الأزمات الداخلية خاصة بعد طرح مشاريع قوانين الضمان الاجتماعي والأخطاء الطبية ولاحقاً قرار المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي حتى اصبحت معضلة النظام السياسي تكمن في الانقسام من جهة وفي الخلط بين مهام السلطات التنفيذية والتشريعية وارباك السلطة القضائية من جهة اخرى؛ فأصبحت السلطة التنفيذية تقوم مقام السلطة التشريعية، وحسب القانون الأساسي الفلسطيني تقدم السلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة مشاريع قوانين وحسب المادة ٤٣ تصدر المراسيم الرئاسية التي تأخذ صفة القانون طالما المجلس التشريعي متعطل في حال عدم انعقاد. المادة ٢ من القانون الأساسي تؤكد على الفصل بين السلطات وان الشعب هو مصدرها. تعدد صلاحيات السلطة التنفيذية وتحولها من التنفيذ والرقابة وانشغالها بالتشريع هو أهم وأكبر التحديات بالتوازي مع الانقسام, هذه الحجة التي باتت تستخدم ضدنا من قبل الكثيرين!
بعد تعيين رئيس جديد للجنة الانتخابات المركزية, هذه إشارة ايجابية في اتجاه تفعيل هذا الملف الأساس في الخروج من الوضع الراهن. لا نريد الاكتفاء بانتخابات محلية على مستوى البلديات والمجالس ولا حزبية وفصائلية بل نريد إعادة تفعيل المجلس التشريعي, لمَ لا تكون هذه الخطوة مدخلا جديدا للمصالحة والاتفاق على إجراء الانتخابات التشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، ضروري اليوم تهيئة الأجواء لإجراء هذه الانتخابات بدلا من التعامل مع فرضية استحالة اجرائها عمليا.
الانتخابات ليست مهمة من مهام الحكومة! الرئيس هو صاحب الشأن فيما يتعلق في الانتخابات بالتعاون مع لجنة الانتخابات المركزية ومن هنا نرى أن الانتخابات هي الوسيلة الأمثل لإتاحة الفرصة للمواطنين للمشاركة في إدارة الشؤون العامة وانتخاب ممثليهم وتعزيز أدوات الرقابة. المهم الْيَوْم اتخاذ قرار فلسطيني رسمي للتمهيد للانتخابات فهي مسؤولية وطنية ومجتمعية، ولا بد من تكاثف الجهود من كل الأطراف رسمية او شعبية لدعم وتأكيد اجراء الانتخابات. منذ تعطل المجلس التشريعي، حصل ارباك وخلط بين السلطات ادى إلى تراجع الأداء العام وتركزت السلطات بيد السلطة التنفيذية وتضائل دور المحاسبة والمراقبة لانشغال المنفذين والمراقبين في مهام المشرعين. صناديق الاقتراع وأصوات الشعب هي الكلمة الفصل عملاً بالقانون الأساسي والمشاركة السياسية، فمن حق ومسؤولية الشعب أن يشارك في الحياة العامة عبر الانتخابات وتعطيل هذا الجانب لا يخدم مشروعنا الوطني كما شهدنا ويبعد الأجيال الشابة ويقصيها عن المشاركة في الحياة السياسية والعامة. ندرك تماما عدم رغبة العديد من الجهات في اجراء انتخابات فلسطينية لأسباب شتى قد تتعلق بعدم قبولهم لنتائج الديمقراطية الفلسطينية سابقا, فهذه الأطراف تريد ان تصمم الديمقراطية الفلسطينية حسب مزاجها.
لا ندعي هنا ان الانتخابات ستحقق التغيير ١٨٠ درجة كاثر العصا السحرية مثلا ولكن الانتخابات هي وسيلة مهمة في حال تم تبنيها بشكل منتظم ومستدام تضمن تداول ديمقراطي للسلطة يقوم على أساس رغبة الشعب, الفلسطينيون في امس الحاجة للخروج من هذا الفراغ السياسي, مهمة الفصائل انهاء الانقسام وهذا يبدا بالاتفاق على عقد الانتخابات, تشكيل حكومة جديدة ليس الحل للشأن السياسي, فلنتذكر جميعا ان الحكومة السابقة كانت مهام تشكيلها انهاء الانقسام وعقد الانتخابات ولم يتحقق أي منها.
هذا الطرح غير منفصل عن الواقع, ما يحدث في غزة يجب ان يكون اكبر محفز لإعادة التوازن للنظام السياسي وانهاء الانقسام خاصة في ظل حكومة إسرائيلية متطرفة عنصرية لا تلتفت للفلسطينيين كبشر بالدرجة الأولى, استراتيجية الخروج تبدا بالتحرك لإنقاذ بيتنا الداخلي بدلا من انتظار التغيير من الخارج.
د. دلال عريقات، استاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.