عندما يغتصبون اختك ثم يغتصبونك ماذا تفعل؟

أبريل 8, 2024 - 15:59
عندما يغتصبون اختك ثم يغتصبونك ماذا تفعل؟

قمة النذالة والسفالة والانحطاط الانساني والاخلاقي التي يمارسها جنود ومحققي الاحتلال الصهيوني توجت ‏خلال الحرب على قطاع غزة، اغتصاب أسيرات واعتداءات جنسية عليهن، التعذيب الجنسي والتحرش ‏والاذلال والاهانات، شهادات النساء الفلسطينيات اللواتي اعتقلن وتعرضن لابشع أنواع التعذيب الجنسي ‏وبأساليب عديدة وتجريدهن من ملابسهن ونزع الصفة الانسانية عن الاسرى، سلوك منهجي مدعوم من ‏المؤسسة الرسمية ومن رجال الدين اليهود الذين يعتبرون اغتصاب النساء غير اليهوديات مباح خلال ‏الحرب، سجل بشع وطويل من الاعتداءات الجنسية خلال هذه الحرب الدموية على قطاع غزة بحق ‏الاسيرات والاسرى وحتى الاطفال، جنود شاذون ودولة شاذة وفاسدة، تتعامل مع الضحايا الفلسطينيين ‏كحيوانات بشرية كما صرح بذلك وزير الجيش الصهيوني غالانت، وان كل شيء مسموح به، القتل والتدمير ‏وهدر حياة الانسان الفلسطيني جسديا وروحيا ونفسيا.‏

منذ بداية الاحتلال الصهيوني سجلت العديد من حالات الاغتصاب والتحرشات الجنسية بحق المعتقلات ‏الفلسطينيات، وظل هؤلاء المجرمون منفلتون من العقاب، محصنون بتعليمات من المستوى السياسي ‏والامني الصهيوني، وكان المؤرخ الاسرائيلي ايلان بابيه قد كشف عن حالات اغتصاب واعتداءات جنسية ‏على النساء الفلسطينيات خلال النكبة عام 1948 في كتابه التطهير العرقي مستندا الى مصادر ‏المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والصليب الاحمر والى روايات الضحايا والارشيفات الاسرائيلية، ارتكاب ‏اعمال مشينة وجرائم حرب ارتكبها جنود الاحتلال، ومن ضمنها ما كشفته صحيفة هآرتس عام 2003 ‏عندما قام اثنان وعشرون جنديا شاركوا في عملية الاغتصاب والقتل بحق فتاة فلسطينية في منطقة النقب، ‏حيث قام الجنود بحلق شعرها وتناوبوا على اغتصابها وفي النهاية قتلوها.‏

ربما التقاليد والعار والصدمة هي الحواجز النفسية التي تحول دون الكشف عن هذه الجرائم الخطيرة بحق ‏نساءنا خاصة خلال حرب الخراب والتطهير والابادة في قطاع غزة، ولكن امام هذا الهول واستباحة كل ‏شيء على مرآى من العالم وعجزه عن حماية شعبنا، بدأنا نسمع اصواتا للنساء فيما جرى بحقهن خلال ‏الاعتقال وفي تلك السجون والمعكسرات الرهيبة بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، التعذيب، والضغط ‏النفسي، خلع الحجاب بالقوة، اجبار الاسيرات على التعري، ملامسة اعضاءهن الحساسة، شتائم قذرة ‏ومعيبة، وكل ذلك مصحوبا بالضرب والتنكيل والتعامل الوحشي حتى اصبح السجن كما تقول احدى ‏الاسيرات قطعة من العذاب، وازداد هذا العذاب بعد 7 اكتوبر 2023، انه تلذذ الجنود والمحققين ‏بالاضطهاد، جنود ساديون يتمتعون بايقاع الاذى والالم والتسبب بجروح نفسية في اعماق المعتقلين، جروح ‏تبقى غائرة في النفس من المستحيل نسيانها مهما طال الزمان.‏

توقفت امام تقرير اممي صادم تم اعداده بشكل مشترك من قبل خمس منظمات دولية والذي اشار الى ‏توثيق 112 حالة اغتصاب بالمواقعة داخل سجون الاحتلال بحق اسيرات من غزة، وكان الاغتصاب ‏جماعيا، وان احدى هذه الحالات نقلت بأشراف دولي الى مكان سري وهي حامل، وقرأت شهادات الاسيرات ‏عن الانتهاكات الجنسية التي يتعرضن لها منذ لحظة الاعتقال وخلال استجوابهن في مراكز التحقيق، وامام ‏ذلك تفوقت سجون الاحتلال بهمجيتها ووحشيتها على سجن غوانتنامو وابو غريب، تلك السجون التي ‏شهدت عمليات التعذيب والاغتصاب والجنون والتي اصبحت وصمة عار في جبين العدالة الانسانية ‏والعاجزة عن التدخل ومحاكمة مجرمي الحرب الذين يمارسون هذه الجرائم.‏

ما يجري في السجون الصهيونية اصبح اكبر واكثر فظاعة من مجرد حرمان الاسرى من كل حقوقهم ‏الانسانية، ضربهم وعزلهم وتجويعهم وبتر اقدامهم وايديهم بسبب شد القيود بقسوة وتعمد، فما زالت هناك ‏جدران واسوار فوق اسوار تحيط بالحقائق المفجعة عن عمليات الاغتصاب والتحرشات الجنسية بحق ‏الاسرى والاسيرات، انه تاريخ القبح والحثالة الصهيوني، التشنيع وتشويه الحياة الانسانية بكل معانيها ‏وقيمها ومبادئها، ابادة روحية وثقافية ونفسية بحق الانسان الاسير، تشويه الروح والبدن، اساليب منحطة ‏اكثر فتكا من الصواريخ والقنابل والفسفور، فتاوي الانتقام وعمليات الاغتصاب هي الاشد والاعنف التي ‏تمارس بحق الفلسطينيين، انه حكم الاعدام المستمر، تحويل الانسان الى حي وميت، ومحكوم عليه ‏بالظلام الابدي.‏

عندما يغتصبون اختك ثم يغتصبونك ماذا تفعل؟ سؤال الحرب الشرسة التي يقاتل فيها الفلسطيني في ‏المسافة الضيقة بين الروح والجسد، بين الارض والسماء، الصراع مع الالم الداخلي، انه الاحتراق النفسي، ‏تحترق غزة وتحترق النفوس في الزنازين، ممارسات خطيرة على الجسد تقهر الروح والذات وتقوض الكينونة ‏الانسانية وتهدمها من الداخل، انه الموت الصامت، الموت المكتوم، الاغتصاب لا تكشفه نيران وركام ‏الحرب في غزة، الموت بألف جرح، تحويل الانسان الى مجرد جثة، لا معنى للحياة ولا معنى للهوية، ‏والاغتصاب تقنية سيكولوجية للسيطرة على الانسان وتمزيقه حاضرا ومستقبلا، اكثر ارهابا من كل اساليب ‏التعذيب التي عرفها التاريخ من الاعدام والشنق والصلب والتقطيع والغلي والسلخ والخازوق والموت بالغاز ‏او الكرسي الكهربائي وغيرها، ماذا تفعل عندما يفصلون جسدك عن روحك؟ والروح هي جوهر الوجود.‏

عندما يغتصبون اختك ثم يغتصبونك ماذا تفعل؟ اين الحواس والعواطف والمشاعر والغضب، تعتيم شديد ‏يجري خلف جدران السجون، صراخ ووجع وانسحاق بشري، اعادة هندسة الانسان جسدا وفكرا وذاكرة، رائحة ‏عفنة للجنود الاسرائيليون ونشوات اجرامية غير مسبوقة، وقد اصبح التعذيب الجنسي ايديولوجيا استعمارية ‏تعمل على اخضاع الفرد وتشكيله من جديد وافراغه من المحتوى الانساني قبل افراغه من المحتوى الثوري، ‏وتحويل الانسان الى عبء على نفسه ومجتمعه، الاغتصاب يعمل في العمق مستهدفا القلب والارادة ‏والفكر والاستعداد، ادخال الاسرى والاسيرات حالة من الضياع والصدمة ونفي الحضور الانساني، وعندما ‏تسكت المدافع وتتوقف الطائرات عن القصف ستكتشف الكثير الكثير من الاشياء قد فقدت، ليس فقط ‏الاحياء الذين استشهدوا، ليس فقط المنازل التي تحولت الى انقاض، وانما شهيتك للحياة، اثار مدمرة في ‏داخلك يصعب اعمارها وترميمها، وهنا لا تنفع الحلول السياسية والاقتصادية، وهنا لا ينفع القانون الدولي ‏الذي جرى اغتصابه عنوة على ايدي الدول الاستعمارية، انها اختك، انها امك، انها عرضك، شرفك ‏وارضك، جسدك واحلامك وجمالك الانساني وكرامتك، صوتك يرتعش، حمل مخيف فوق كاهلك، تشنج ‏وتصلب في شرايينك، كابوس طويل، رعب مختبئ في داخلك، ماذا تفعل؟

ايها الفلسطيني المغتصب من الوريد الى الوريد، اقرأ رواية ما تبقى لكم للكاتب الشهيد غسان كنفاني، اخرج ‏من الذات المطحونة، واجمع كل قطرات الدماء عن وجهك واعضاءك المرضوضة الممزقة ومن حطام ‏جسمك المشوه، اخرج من الذات الى الفعل، ومن الهموم الشخصية الى الهموم الوطنية الجمعية، انت ‏البطل حامد الغزاوي في الرواية، واختك هي مريم، الساعة تدق والانتظار عقيم، لا ضرورة للالتفات الى ‏الساعة او الى الوقت الذي ستستغرقه عملية العبور من العتمة الى الضوء، مريم قطعت الصحراء عائدة ‏الى غزة بعد ان غسلت العار، وحامد يلتفت الى سلاحه وهو يلتقي الجلاد في خانيونس، لم يبق شيء ‏نخسره، يقول حامد، في اعماقي حياة كأنها قنبلة، عليك ان تبني في نفسك شخصا لا يحتاج في اليوم ‏الصعب الى ملجأ.‏