بين اجتياح رفح وقرار مجلس الأمن

مارس 30, 2024 - 13:12
بين اجتياح رفح وقرار مجلس الأمن

برغم كل ما يحمله من تأويل، وبعد ستة أشهر صدر قرار مجلس الأمن الدولي الداعي لوقف الحرب على غزة، ما يمكن اعتباره أنه تغيير مهم في المسار الدولي الذي كان داعمًا للحرب، ومؤيدًا لها بكل وحشيتها ودمويتها.


هذا التحول ولو كان بطيئًا ومتأخرًا، إلا أنه ستكون له تبعات أخرى في المستقبل القريب، خاصة في ظل تنامي الأصوات المنددة والمستنكرة لحرب الإبادة الجماعية. صحيح أنه لو كان الأمر متعلقًا بأي دولة أخرى، لجاء القرار على وجه السرعة خلال أيام وربما خلال بضع ساعات، ملزمًا وصارمًا وصريحًا وغير قابل للتأويل، كما حدث مثلًا في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إلا أنه صدر أخيرًا بعد أشهر طويلة على الحرب، مما شكل صفعة للاحتلال الذي طالما بقي يراهن على "الفيتو" الأمريكي.


بكل مضامينه شكل قرار مجلس الأمن صفعة قوية للكيان، ما أحدث خلافات داخلية كبيرة، سواء كان في حكومة الحرب أو بين الإئتلاف الحكومي ومع أحزاب المعارضة، وعصفت الخلافات بين كافة المستويات، وزاد القرار من عزلة نتنياهو الذي تتهمه كل الأوساط بأنه السبب وراء صدور مثل هذا القرار، وهو ما يمثل فشلًا ذريعًا في عدم استخدام الولايات الأمريكية "للفيتو"، وهذا يأتي بسبب الخلافات التي ظهرت في الآونة الأخيرة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونتنياهو.


يمكن النظر لقرار مجلس الأمن على أنه سيرفع الغطاء الدولي عن حرب الإبادة الجماعية على غزة، وسوف يزيد من عزلة الكيان الدولية، وما قد يترتب على ذلك من قطع للعلاقات السياسية والاقتصادية مع العديد من الدول وعلى كافة المستويات، وسيمنح محكمة العدل الدولية قوة أكبر، وهذا ما يُقلق الكيان وقد جعله يدخل في مرحلة الخلافات الداخلية التي ظهرت بشكل كبير، بينما نتنياهو يواصل سياسة التفرد العمياء التي يريدها مهما كانت النتائج.


نتنياهو غير آبه بالقرار ويتباهى بأنه الوحيد في العالم الذي يستطيع أن يقول لرئيس الولايات الأمريكية "لا"، ويكررها في أكثر من مرة، رافضًا مطالبات الأخير بضرورة عدم اجتياح رفح في الوقت الراهن، بينما يصر نتنياهو على اجتياحها مهما كانت التداعيات بحجة أنها معقل المقاومة، والمكان الذي يتواجد فيه أسرى الكيان، ومثلما كان الإدعاء في كل عملية اقتحام واجتياح منذ اليوم الأول للحرب، فإن الاحتلال يقوم بترويج الأكاذيب نفسها بعد مستشفيات غزة ومدينة خانيونس ويتحضر لاجتياح رفح التي يطبق عليها بالحصار، ورفح آخر نقطة نزوح لجأ إليها أهل غزة، فباتت شديدة الاكتظاظ، مزدحمة بالناس، فيها ما يقارب مليونا وربع المليون إنسان في مساحة جغرافية ضيقة.


تفرد نتنياهو أغضب الولايات الأمريكية التي دفعت بكل قوتها وسخرت جميع قدراتها في السابع من أكتوبر ودعمت الاحتلال بجسر جوي وبحري وبري من الأسلحة الذكية والمتطورة، وفتحت كل مخازنها في الشرق الأوسط، وجاءت بالخبراء العسكريين والسياسيين ورفعت الفيتو ثلاث مرات في مجلس الأمن خلال الحرب، وجمعت تحالفًا عالميًا غير مسبوق لصالح الاحتلال، وأمام هذا يأتي تطاول نتنياهو على الرئيس بايدن، الأمر الذي أغضب الإدارة الأمريكية، ودفعها كي لا ترفع الفيتو في وجه القرار كما جرى في السابق وأن تكتفي بالامتناع عن التصويت.


أمريكا لن تتخلى عن الكيان، والعلاقات بينهما لا يصيبها أي عطب، بل سيبقى الخلاف مع نتنياهو، ولن ترتفع وتيرة الغضب الأمريكي تجاه الكيان أكثر مما نراه.