شروط المقاومة تدعيم للحاضنة الشعبية وحمايتها قبل كل شيء
يبدو أن التفاوض وتقديم العروض، والأهم ممارسة الضغوط على حركة حماس والمقاومة والشعب في القطاع تتجدد، ونعتقدها لم تتوقف أصلاً. حرب الإبادة مستمرة، والتلويح بعملية رفح قائم ويتكرر، واستخدام التجويع سلاحا صريحا بلا أي مواربات، والتسليم بإغلاق المعابر والاستعاضة عن فتحها بمسرحيات إنزال الغذاء المهينة لشعبنا قائم على قدم وساق، والسعي لإيجاد (سلطة مدنية) عميلة تشرف على الحياة اليومية في القطاع، سعي حثيث تتنبه له المقاومة. كل ذلك هدفه محدد: ممارسة الضغوط على الحاضنة الشعبية لإبعادها عن المقاومة، والتعويل على ما هو اكثر: تحويلها ضد المقاومة. من حق المستعمِر أن يحلم، ألم يحلم بتحقيق أهداف عسكرية يوم 7 أكتوبر؟
دائماً كنت من المقتنعين بغباء المستعمِرين، فهم لم يستوعبوا درس التاريخ، رغم أنهم يحضرون الدرس. تتعب الشعوب وتعاني وتقدم ما لا يمكن تخيله من تضحيات، كما نرى اليوم، ومع ذلك لم ترفع يوماً صوتها ضد مقاومة المستعمِر. والمستعمِر، يحلم وسيحاول، ولا يملك أمام خيباته وهزائمه العسكرية، إلا أن يحاول ويحلم، ولكنه أخيراً سيستسلم.
في القطاع المقاومة قوية وانجازاتها بارزة، وهذا يتضح من تصاعد ملموس ونوعي في المقاومة الميدانية في الاسابيع الثلاثة الأخيرة، مع أن الاحتلال يروّج أنه (فكك ثلاثة أرباع قوة حماس) كما يزعم نتياهو، (الكذاب الكبير) حسب إعلامهم. إضافة لذلك تضحيات شعبنا هائلة، وكل بيت بالمعنى الحرفي للكلمة ذاق همجية الكيان وفاشيته عبر ممارسات سيسجلها التاريخ بحروف من عار، وهذا الأمر سيعزز الرغبة في الانتقام، والتصلب في الموقف والمزاج، لا في الاستسلام، بغية تحقيق منجزات توازي حجم التضحيات. هذان السببان كافيان لأن تتماسك الحاضنة الشعبية، ولا تحيد بوصلتها كما البعض، بحيث لن يجد الكيان من داخلها مَنْ يخون المقاومة وشعبه ليتعاون مع المحتل.
كل هدفهم اليوم ضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة. مسرحية إنزال المعونات جواً والممر البحري المزمع إنشاؤه، هدفها ضرب (سلطة حماس) كما أعلن نتياهو، وكما يعرف الممثلون، وعلى راسهم المخرج (البيت الأبيض)، هدفهم كف يد حماس عن إدارة شؤون الحياة اليومية، إضافة لأهداف عديدة أخرى. ومع ذلك لسان حال الغزيين كما تتناقله وسائل الإعلام يقول: هذا الآلية مهينة ومذلة. مفهوم أن يتجمّع الجياع لالتقاط ما يمكن التقاطه، لسد جوع أطفالهم، ولكن لا يتوقعن أحد أن الجائع سيغفر لمن جرّعه هذا الإذلال مقابل كيس طحين مغمّس بالدم، هذا إذا حصل عليه.
وأن تصرّ المقاومة على شروطها الأربعة قبل اي صفقة تبادل، فهي بذلك مخلصة لحاضنتها. وقف العدوان الهمجي، والانسحاب الكامل من القطاع، وعودة النازحين غير المحددة للشمال، وطبعاً إدخال غير مشروط للمعونات عبر المعابر البرية.
يتطلع شعبنا لتحرير أسراه، خاصة المؤبدات والأحكام العالية، ولكن الأولوية التقطتها المقاومة: إنقاذ شعبنا من الإبادة الجسدية، والإبادة عبر التجويع، ولاحقاً تأتي الصفقة.
لذلك لم يتقدم مَنْ يسمون زوراً بـ "الوسطاء"، والأمريكيون على رأسهم، بأي مقترحات تتضمن تحديداً وقف العدوان والانسحاب وعودة النازحين، لأنهم (ولا يستغربن أحد رغبة بعض الأنظمة بتصفية المقاومة تماماً وضرب حاضنتها)، كل ما يرغبون به هو تحقيق المطلب الصهيوني وهو: هدنة مؤقتة وإطلاق سراح الأسرى الصهاينة مقابل عدد من أسرانا، وإدخال بعض المعونات، ليعودوا بعدها للإبادة والتجويع. أمريكا تريد العودة للعدوان تحت الموقف الذي يتكرر مراراً بتصفية حماس، والصهاينة أعلنوها مراراً، هدنة مؤقتة، والعودة للحرب على حماس والمقاومة. هذا ما تدركة الخاضنة قبل المقاومة. لسان حال الحاضنة ومن خلال العديد من التقارير الإعلامية يقول: لا نريد هدنة ليعودوا لقتلنا من جديد. نريد وقفا نهائيا لإطلاق النار، وهذا هو موقف المقاومة أيضاً.
ومع ذلك هناك أصوات تدعو للقبول بالموقف الأميركي الإسرائيلي المشترك، وهو الهدنة المؤقتة تحت مبرر "تفويت الفرصة على نتياهو الراغب باستمرار الحرب"، وكأن نتياهو والامريكيين لن يعودوا لحرب الإبادة بمجرد إعلان الهدنة المؤقتة؟! من اين تأتي هذه الثقة بالكيان وأمريكا؟ ليس من عاقل يصدق أن الهدنة المؤقتة ستنهي حرب الإبادة، إلا إذا كان تسويق هذا هو في الحقيقة رغبة دفينة بهزيمة المقاومة وسحب ممكنات تسجيلها انتصاراً جديداً ونهائياً في معركتها الحالية. دائماً في تاريخ الخطاب السياسي الفلسطيني مَنْ كان يرفع شعار "تفويت الفرصة على المحتلين" لاتخاذ موقف نقدي، وأحياناً معادٍ، للمقاومة، وتحديداً المسلحة منها. لا بل وأكثر من ذلك: هناك مَنْ طالب المقاومة بتحرير أسراهم لوقف العدوان! هكذا ببساطة أعطوهم إياهم لنخلصّ! الم يقولوا: ما يجري في غزة بين حماس وإسرائيل لا شأن لنا به؟. إنهم يستندون لمعاناة شعبنا وتضحياته الجسيمة وظروف حياته البائسه، لجوعة ودمه المسفوح، لا ليمتلكوا الإرادة والصلابة لتحقيق منجز يوازي كل تلك التضحيات والآلام، بل للاستسلام أمام هجمة الكيان. هذا هو بؤس الموقف بعينه.
الأميركيون ولاعتبارات عديدة باتت معروفة، لا يريدون تصعيداً في الإقليم ككل، على الأقل في شهر رمضان، وبالتالي يسعون لإخماد حريق متوقع، فيما الأنطمة التي تعتبر المقاومة، كنهج وموقف، (بعبعا)، تجاه استقرارها الهش، تريد ذلك، وربما أكثر. انها تريد هزيمتها كي لا تقوم لها قائمة يوماً ما.
كان هنيّة في خطابه الأخير واضحاً: لقبل ساعات من الخطاب استمرت الاتصالات والمفاوضات. واضح أن الأميركيين (مدلوقين)، ونتياهو ما زال يدير ظهره، وذلك هو سبب الخلاف بينهما، حول طريقة إدارة حرب الإبادة وتصفية القضية والمقاومة، لا حول هدف الإبادة والتصفية. لذلك تعود أميركا لتضع على الطاولة، حسبما تناقلت الأنباء، المقترح الذي سبق للمقاومة ورفضته: هدنة مؤقتة لستة اسابيع، وتبادل محدود لصفقة تبادل. ومرة أخرى: لا وقف للعدوان ولا انسحاب من القطاع، ولا عودة للنازحين، أما التباكي على (الأطفال الجوعى والحالة البائسة للسكان)، وممارسة إبادة السكان في ذات الوقت، فتلك خاصية اساسية لكل الممارسات التاريخية للمستعمِر الأبيض.
تبدو الأولوية عند المقاومة وقيادتها واضحة: وقف العدوان على شعبنا، والانسحاب الكامل من القطاع، وعودة غير محددة للنازحين، وإدخال غير مشروط للمعونات، قبل أي حديث عن صفقة تبادل لا تستعجلها المقاومة.
هذه الشروط تعني ببساطة أن الأولوية هي لإنقاذ سكان غزة من الإبادة ومن الجوع، وتوفير الشروط للشروع بالصفقة، وتلبية بقية المطالب: الإعمار ورفع الحصار وضمان عدم تدنيس الأقصى. غير ذلك، أقل من ذلك، هو محض وقف للإبادة لستة اسابيع، أي لما بعد الهدنة المؤقتة، وبضعة مئات من شاحنات المعونات، وبيع هذا الكم الهائل من التضحيات والآلام والمعاناة، هذه التضحيات الضخمة لعشرات الآلاف من الجرحى والشهداء، لأكثر من مليون ونصف نازح، بيع كل هذا من اجل القبول بالطرح الأميركي الذي قال عنه هنيه، إنه يعني نيل ما عجزوا عنه في الحرب عبر الاعيب السياسة، وصدق فيما قال.