لم لا يتم التباحث حول قيام الدولة الفلسطينية فورا ؟!

فبراير 6, 2024 - 14:55
لم لا يتم التباحث حول قيام الدولة الفلسطينية فورا ؟!

تعجّ وتجمع تصريحات دول العالم المختلفة من شمال وجنوب، شرق وغرب، صديقة ومعادية، ورؤساء دولها، ومندوبيها إلى الأمم المتحدة ، وبيانات الإتحادات والنقابات والجامعات ، ومقالات الصحفيين وتقاريرهم، وأهل الرأي وحكائهم، ومناشدات هيئات حقوق الإنسان وروابطها، وبيانات المجتمعين والوسطاء، ووسطائها ومبعوثيها، بأمر واحد وحيد كحل للغزو الإسرائيلي الدموي، هو تأييد إقامة الدولة الفلسطينية. وما انفك هؤلاء على ترداد وتكرار هذا الأمر وهذه النغمة حتى في أصعب الأوقات، مؤملة بتكرارها، خلق نهج لمواجهة قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير الجامعات والمستشفيات والمدارس والكنائس والجوامع والمنازل.


لكن هذه الدول المنادية بهذا الأمر الفضفاض الرحب الواسع، ولا وزراء خارجيتها من قبلها ولا من بعدها، رسمت وحددت كنه ومفهوم الدولة الفلسطينية الموعودة مكانا وسكانا وزمانا. وأبقته سرا غامضا، حتى أن بريطانيا ووزير خارجيتها، ومن قبله وبعده وزير الخارجية الأميركية بلينكين رأتا فيه فكرة ناجحة، رغم عدائهما للمشروع الوطني الفلسطيني. وهما يكرران هذه الإسطوانة المشروخة بدون تحديد وبدون مناسبة، وبشكل غامض في محاولة لكسب رضاء وهمي ونجاح زائف. ويتابعهم الكثيرون مثل دول الإتحاد الأوروبي رغم أنها عندما كان سوقا أوروبيا مشتركة، في بيان البندقية عام 1980 ، رسمت حدودها وبينت جوهرها. وهو ما فتئت دول كثيرة تكراره دون تحديد لمضمونه.


وكأن السياسيين الغربيين قاطبة بتعاليهم ونرجسيتهم المعهودة وخداعهم التقليدي، يقصدون عن سبق إصرار أن يميعوا الموقف السياسي الوطني الفلسطيني، ويتلهون به، ويبقونه غائما عائما بدون تحديد، في مواجهة شعب قبلي عشائري عاطفي غيبي كما يعتقدون ويفترضون، دون أن يتخذوا أي إجراء عملي، لترجمته على أرض الواقع. وكأنهم يرون بذلك، استمرارا لسياستهم القديمة الجديدة تجاه الفلسطينيين والعرب، مجرد أطفال يلهون بهم وبمفرداتهم، علّهم يعبرون بهم هذه الأزمة، وبعدها يخلق الله ما لا تعرفون وما لا تقدرون. وفي ذات الوقت والسياق، لا يقومون بأية خطوة جادة لتحقيق هذا الحلم الفلسطيني وترجمته إلى واقع ملموس. بل لا يقومون بوضع خطوطه العامة أو أفكاره أو آلياته على الورق، ويكتفون بالكلمات وتردادها كالببغاوات، بل يبيعون الشعب الفلسطيني والعربي، مجرد أحلام نرجسية، وكلام معسول كوهم السراب لعطش في الصحراء.


لنسأل، حتى يكون الحديث جادا، عن أية دولة فلسطينية تصرحون وتتحدثون وتعدون. هل تقصدون الدولة الفلسطينية، عملا بقرار التقسيم رقم 181 لعام 1947، أم أن هذا القرار دخل أدراج طي النسيان، وخرج من القاموس السياسي، وأغلب الظن أنه عندهم كذلك، مع أنه القرار الوحيد الأممي الذي رسم حدودا دقيقة للدولتين العبرية والعربية، وما زالت خرائطهما قابعة في أرشيف الأمم المتحدة. وهو أدق كثيرا من قرار 242 و338 الصادرين عن مجلس الأمن. ولنسأل في هذا السياق هؤلاء المنادين بالدولة الفلسطينية، هل احتلال وكسب أرض فلسطينية جديدة بالقوة العسكرية الإسرائيلية بعد قرار التقسيم شرعي وقانوني، وهل تعترفون به، رغم أن قرار التقسيم اعتبرها جزءا من الدولة الفلسطينية . وعليه، أين كنتم، وماذا قمتم، وماذا صنعتم، وأية خطوات اتخذتم، حين قامت قوات الهاجناة بالإستيلاء على الأرض الفلسطينية، المخصصة للعرب الفلسطينيين، حين تم خرق قرار التقسيم وزادت مساحتها أكثر من خمسين بالمائة من مساحتها المرسومة بموجب قرار 181.


حسنا، حتما سترفضون بنفاقكم وبزعم القدم والوقائع الجديدة، قرار التقسيم رقم 181، وستلتصقون بعدوان الخامس من حزيران/ يونية من عام 1967، وما أفرزه من احتلال طويل الأجل للأرض لفلسطينية والسورية. وإذا كان هذا توجهكم أيها المنادون، فما مصيرمئات المستوطنات الإسرائيلية، التي تعد جريمة حرب وليس خرقا خطيرا للقانون الدولي فقط. هل ستزيلونها كما حصل في قطاع غزة، أم أن الدولة القادمة ستشمل هذه المستوطنات، ويصبح سكانها رعايا للدولة الفلسطينية الجديدة. وأين عاصمة هذه الدولة الفلسطينية الفتية ستقوم، وأنتم تعترفون بالقدس كعاصمة للدولة العبرية، وأهملتم قرار التدويل للقدس وفق قرار 181. وأين حدودها، وما هو حل اللاجئين الفلسطينيين والأمن الفلسطيني. ويبقى السؤال الجوهري يتيما وبدون جواب ، ما هي طبيعة هذه الدولة وجوهرها ووظيفتها واختصاصها؟!


ومن نافلة القول، أيها المنادون بالدولة الفلسطينية العتيدة، أنكم تقصدون الدولة العلمانية الواحدة، فذلك لا يمكن أن يدور في خلدكم ولا في تصوركم ولا مجرد عبور أدمغتكم . فيا ليتكم أيها الغامضون الراقصون على وقع المفردات التي تتلاعبون بها، أن تعرفوا لنا وللشعب الفلسطيني العربي مفهوم الدولة. وهل تعترفون بما تفرده كتب القانون الدولي والقانون الدستوري لأحكام الدول وقيامها ووظيفتها، أم أن هذا أيضا هو محل أخذ ورد، من اجل ألعيون الزرقاوية الصهيونية ولتاريخكم الإستعماري.


سيرددون وسيعزفون على بيانو كوندوليزا رايس ووترها الراقص الآخذ بالغموض البناء. الحقيقة، أن عندي حل أفضل من كل هذه المهاترات والتصريحات والبيانات وبيانو كوندوليسا رايس، حلا يقدم بلسما شافيا لكل هذه التساؤلات، وأجوبة لنقاط الغموض البناء، وحسما لكل الإتهامات المكالة لكم بسرقة الوقت، واللعب على العواطف، ودرءا للواقع البراغماتي الأميركي المضلل، إذا صدقت النوايا والمناداة.


تعالوا، لو كنتم أيها المنادون والرافعون لشعار الدولة الفلسطينية، تملكون ذرة من المصداقية والشفافية، ويا من شنفتم آذاننا من تكرار هذه المقولة، وحرصا على عدم إضاعة الوقت الثمين، وحتى يكون للكلام معنى وقيمة، تعالوا لعقد مؤتمر سلام فوري، يمثله جميع أطراف النزاع بدون شروط مسبقة، ويحضره جميع أصحاب المقاعد الدائمة في مجلس الأمن، ومرجعيته قرارات الشرعية الدولية، وقواعد القانون الدولي العام المكتوبة والعرفية. وبالتالي لنجب على جميع الأسئلة الخاصة بالدولة الفلسطينية.


أما إن بقيتم تكررون هذه الإسطوانة المشروخة القاضية بإنشاء الدولة الفلسطينية، فاعلموا أنكم جمع من المقامرين المنكرين لحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، المتلاعبين بمصيره، وتراهنون على عامل الوقت لإلهائه والتلهي بمفرداته، وخلال كل ذلك يزداد عدد قتلاه وجرحاه ومهجريه ومعاناته، ويغدو هدفا سهلا لتهجيره وإبعاده عن وطن آبائه وأجداده.


إن صدقت النوايا، وإن تخليتم عن ألاعيبكم المعهودة، وتعلمتم من أخطائكم التي اقترفتموها، وطبقتم ذات القواعد التي طبقتموها على ألمانيا النازية، وبما قررته محكمة نورمبورغ عام 1946، وأن لا ثمار للعدوان، وأن القوة العسكرية لا تكسب ملكية إقليم، وأن لا سيادة للمحتل مهما طال احتلاله، فالحل واضح بين ولا يحتاج لوقت، بل عقدت من أجله الندوات، وكثير من المناقشات وأوراق العمل، ولم تبق نقطة مستعصية إلا ووضع لها حل.


تبقى الدولة مجرد كلمة دون معنى محدد، حتى يأتيك الشخص المناسب فيعطيك معناها الدقيق، فالجاهل يعرف بكلماته والحكيم يلوذ بصمته. فإذا كنت لم تستطع أن تفعل شيئا لحلّها بالأمس ، فهذا لا يعني أنك لا تقدر على حلّها اليوم!!!