هل يبقى السجن والحرب وحدهما القادرين على الهتاف من اجل الحرية والسلام؟
- لأول مرة منذ النكبة حتى الآن، تنطلق مظاهرات ومسيرات واعتصامات في المجتمع الإسرائيلي من قِبل أهالي الاسرى اليهود المحتجزين في قطاع غزة، تطالب بإطلاق سراحهم، والإسراع في عقد صفقة تبادل للإفراج عنهم، وبدأنا نسمع أصواتا تنتقد الحكومة الإسرائيلية وتتهمها بالتخلي عن الاسرى والتسبب في قتلهم في الحرب الدموية المستمرة على قطاع غزة، نشاهد أهالي الاسرى اليهود يرفعون الصور ويعقدون المؤتمرات الصحفية، ويسافرون ويلتقون مع جهات عربية ودولية، يضربون عن الطعام امام مكتب رئيس الحكومة، يقتحمون الكنيست غاضبين وصارخين، يغلقون الشوارع، يطالبون بوقف الحرب للإفراج عن 136 محتجزا يهوديا في غزة.
رأينا أمهات وأبناء وعائلات الاسرى اليهود في الشوارع والساحات وعلى الأرصفة، مشاعر ساخطة تعبر عن جنون الحرب الصهيونية التي تحولت الى مصيدة للضحية والجلاد، مشاعر تعبر عن جنون الأقوياء عندما تصطادهم قوتهم الطاغية المتمادية، ويصبحوا ضعفاء، الخائفون من تضخم غطرستهم وجبروتهم، المدفونون في الاستعلاء والعمى والكراهية، وشاهدنا مقابلات من افرج عنهم من الاسرى اليهود، يتحدثون عن الاحتجاز والابتعاد عن العائلة، ورسائل من المأسورين تطالب حكومتهم بإنقاذهم، انه الخوف والحسرة والانتظار، يحتاجون الى الهواء وحماية وادوية وغذاء، وصحف وكتب، يحتاجون الى زيارات للصليب الأحمر الدولي، الى شفرات حلاقة وملابس واغطية ورسائل، مفزوعين من الغارات والقصف الجوي والصواريخ والانفجارات، يناشدون المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالتدخل لإنقاذهم من السجن ومن الموت الذي يتربص بهم في غزة التي تحولت الى مسرح مفتوح للجريمة والإرهاب، يريدون العودة الى بيوتهم احياء وليس جثثا.
نادرا ما يرى القاتل وجه قاتله، ونادرا ما يرى السجان وجه السجين، يرونه مقتولا او مكبلا معصوب العينين مهانا ذليلا، ليس له كيانا او صوتا او حلما او كرامة، او حقا بالحرية والحياة، والآن بدأ الإسرائيليون متأخرين يعرفون معنى الحرية عندما حاصرتهم الحرب وحولهم الاستعمار الى سجناء، والآن يتساءلون لماذا كل هذه السجون والمعسكرات والاعتقالات اذا كان مطلبنا ان نكون طلقاء، ان ينتهي الفارق بين الليل والنهار، ان يحل السلام بين السجين والسجان، بين الظالم والمظلوم، وتتوقف هذه الحرب وينتهي الفصل الأطول من الصراع.
ان الزمن يدور، والاستعمار الصهيوني حول المجتمع الإسرائيلي الى معسكرات وزنازين وملاجئ وعدم يقين، والمطلوب ان يقترب أهالي الاسرى الإسرائيليين اكثر واكثر، ويقطعوا خطوات أطول ويصلوا الى بوابات السجون التي يحتجز فيها اكثر من عشرة الاف اسير واسيرة فلسطينية، هناك سيعرفون ما فعله ابناؤهم السجانون بالأسرى الفلسطينيين، التعذيب والتنكيل والعزل والحرمان من ابسط الحقوق الإنسانية، الضرب الوحشي والاعدامات والاهانات وزرع الامراض وتقويض حياتهم وتحطيمها في زمن السجن والظلام والمؤبدات، هناك سيرون الجحيم والوحشية والانحطاط الإنساني والأخلاقي والبشاعة والجرائم المنظمة، قيود وابواب وجدران ورطوبة، قوانين عنصرية تعسفية ومحاكم جائرة، مقابر حجرية وموت بطيء، برد وجوع وقمع وقهر وسرقات وقرصنة، مسالخ تجرد الانسان من قيمته الإنسانية، وهناك سيدركون ان الجدار الحديدي الذي شيدته الصهيونية ثقافة وفكرا حجبت عنهم طويلا طويلا هذه الفظائع المخيفة، وان أولادهم لم يذهبوا للحرب جنودا او للمعسكرات سجانين من اجل ارض الميعاد والمشيئة الإلهية، ذهبوا ليمارسوا القتل من اجل القتل ويتحولوا الى حيوانات ادمية، الآن اكتملت الدائرة، لا الضحية ماتت ولا القاتل عاش كما يريد، ولا يستطيع الجلاد ان ينام ما دام الفلسطيني حيا، ولا يستطيع الفلسطيني ان ينام مادام سريره محتلا، وسيقولون لم تنقذنا الأسطورة والسردية الصهيونية المختلقة من القلق والخوف، ها نحن في قفص الاتهام في محكمة العدل الدولية، نازيون اكثر من النازية، عراة امام العالم، لم يعد احتكار ثوب الضحية يستر اعمالنا وجرائمنا الإنسانية وينقذنا من المستقبل، ويعطينا الحصانة.
الحرية للأسرى، الكل مقابل الكل، هذا ثمن الاحتلال الذي تحول الى ليل ثقيل على المحتلين، ويبدو ان الوجدان الإسرائيلي لا ينفتح على المقاربات الإنسانية والحقوقية للآخرين الا بقدر ما تصدر الحرب له من ويلات وتوابيت وقتلى واسرى وصدمات، وهاهم أهالي الاسرى الإسرائيليون المتظاهرين في الشوارع، يتلاصقون اكثر مع الواقعين تحت الاحتلال، وجها لوجه مع الالآف المؤلفة من أمهات الاسرى الفلسطينيين وعائلاتهم وحسراتهم واشواقهم لابنائهم، الحرية توحد المظلومين الذين هيمن عليهم الاحتلال سلبا ونهبا ومذابحا، الحرية بطولة ووعي مضاد للطغيان والاضطهاد، ولا نريد ان يبقى الموت او السجن وحدهما القادرين على الهتاف من اجل الحرية والسلام، لا نريد ان يستيقظ الضمير اليهودي فقط عندما يرتطم بالجدار، فلا خيار سوى الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، العودة والحرية وتأسيس دولته المستقلة على ترابه الوطني حتى لو خيب ذلك نتنياهو وابن غفير وقادة الحرب والصهاينة القادمين من عصور الظلام.
الحرية للأسرى، انه صوت في الشارع اليهودي، سقوط النزعة العسكرتارية السلطوية، سقوط العضلات والعربدة وتمجيد القوة والطقوس التلمودية المعادية لكل القيم والمبادئ الإنسانية، وعلى اهالي الاسرى اليهود ان يكفوا على الخوف والانحباس في الغيتو وفي كتاب توراة الملك والتعاليم العنصرية القومية المتطرفة التي لا ترى الاخرين، هل من صحوة الان؟ وكيف تقبلون ان يتحكم بكم وزراء غوغائيون فاسدون متطرفون لهم سوابق جنائية مشينة؟ لازالت القذائف تنهال فوق رؤوس الناس المدنيين في غزة، نازحون ومشردون في البرد والجوع والشتاء بلا مأوى او دواء وملجأ، لا زال جنودكم ينبشون القبور ويسرقون الجثث، لازالت الجثث في الشوارع وتحت الأنقاض تنهشها الكلاب والقطط، لازال الاسرى الفلسطينيون يقادون عراة مهانين مقموعين الى المعسكرات المجهولة واقبية التحقيق، هل من صحوة الآن، التمرد على قادتكم المتطرفين الذين يعتقدون ان وجود إسرائيل مشروط بغياب الفلسطينيين وحرقهم ومحوهم من المكان والزمان، وهذه هي النتيجة، ها انتم اسرى مرعوبين، ترتجفون رغم ان دولتكم مسلحة بالرؤوس النووية، وبالنسبة لنا نقول لكم ان حريتنا هي ضمانة لحريتكم، وسلامنا لا يتناقض مع الحرية، فمعركتنا من اجل الحرية والاستقلال والدولة، ومعركتكم ان تتحرروا من عقلية الاحتلال لتعيشوا طبيعيين بلا دبابة وسيف وبندقية، فالفارق واسع بين المقاومة المشروعة لشعبنا وبين ابنائكم الذين تحولوا الى حراس ومستوطنين ومجرمين لتعميق الاحتلال، وهنا تبرز كل الأسئلة الآن في حياتكم الصاخبة والمرتبكة، وما زلتم غارقون في رمال وانفاق غزة، غير قادرين على تطوير الوعي الإسرائيلي الشعبي في اتجاه كسر اصنام الاحتلال والاعتراف بالحقوق العادلة للشعب الفلسطيني.