حول الوحدة وسراب حل الدولتين والعدالة الدولية
ما زلت متفاجئا من ان البعض منا وفي هذا الزمن من اشاعة المعرفة وسرعة انتقال المعلومة ،ما زالوا يعتقدون بأحتكار الدور والحقيقة دون غيرهم ، بل ويذهبون إلى التشكيك بمواقف وآراء غيرهم طالما لا تتفق مع رؤيتهم أو وجهات نظرهم ، أو حين يرى البعض في افشال الغير انتصاراً لنفسه ورأيه .
الوحدة قانون الأنتصار ،،
فنحن باعتقادي ورغم تاريخنا الطويل من العمل الوطني المتشابك والمعقد بحكم طبيعة قضيتنا الوطنية، ما زلنا لم نعتد على تفهم بعضنا البعض أو على ضرورات العيش باختلاف التقييم وتعدد الأفكار في إطار من الوحدة . أن تفهمنا لأراء بعضنا البعض ومراجعة الأداء وتقييم المراحل والسياسات سيساهم حتما بالدفاع عن شعبنا ومكتسبات منظمة التحرير الفلسطينية من خلال التمسك بإرثها الكفاحي والأرتقاء بدورها كحركة تحرر وطني ببرنامج سياسي مقاوم وعنوان جمع الشمل الفلسطيني الواسع من كل الأطياف وخاصة الشبابية ، للوصول الى تحديد الرؤية السليمة في مواجهة التحديات القائمة أو التي يُرتب لها على الطريق .
ولأهمية ذلك فانني هنا أكرر ما قاله القائد الوطني مروان البرغوثي الذي ننتظر أن يعانق ورفاقه الأسرى حريتهم قريباً ؛ "إنّ الوحدة الوطنية هي قانون الأنتصار لحركات التحرر وللشعوب المقهورة" .
فهذا ما علمتنا أياه ايضاً تجارب حركات التحرر التي انتصرت بكفاحها على المستعمر حين أقامت الجبهات الوطنية والشعبية الواسعة لقيادة كفاح شعوبها من أجل الأستقلال الوطني رغم التباين في وجهات النظر او الخلفيات الفكرية لمكوناتها . وهذا ما دعت له عدد من المذكرات والرسائل المفتوحة ، ومنها "نداء فلسطين" الموقعة من الاَف النساء ورجال الحركة الوطنية بالداخل والشتات والموجه إلى كل أصحاب القرار والأخوة من القيادات الفلسطينية .
سراب حل الدولتين ،،
قبل ثلاثة عقود كان من الممكن ان يكون تطبيق مبدأ حل الدولتين فكرة ملموسة وواقعية لحل الصراع من خلال انهاء الاحتلال اولاً وبشكل كامل . أما اليوم وبعد المماطلة المنهجية من جانب الغرب في تنفيذ هذا الحل الذي تبناه المجتمع الدولي لفظياً بما شكله من جوهر المبادرات السياسية، والنظر الى ما يجري من محاولات تنفيذ رؤية الحركة الصهيونية التي لم تتخلص من عقدة فكر الأستعمار والفوقية التي تلازمها في ارتكاب ابشع جرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري ، التي قامت عليها بالأساس كمقومات لانشاء كيانهم على حساب حقوقنا ووجودنا في وطننا الذي لا نملك سواه . فقد اصبح النظام الفلسطيني ككل يواجه في هذه المرحلة خطر الانهيار نتيحة ما يواجهه من أزمة بنيوية .
وفي ظل ذلك فإن ما يدور اليوم من الحديث الجاري حول "حل الدولتين "، أصبح يشكل حلقة جديدة من مسار سراب السياسات الغربية وبالمقدمة منها الولايات المتحدة التي تستهدف من خلالها قتل حقنا المشروع بتقرير المصير وباقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية ذات السيادة والمتواصلة جغرافيا على كافة الأراضي المحتلة في الرابع من حزيران ١٩٦٧ بما فيها القدس الشرقية كعاصمة لهذه الدولة العتيدة ، وهو ما يشكل جوهر مبدأ حل الدولتين الذي يستند بالأساس من حيث المبدأ القانوني إلى القرار الأممي ١٨١ باقامة دولتين بالإضافة إلى القرار ١٩٤ المتعلق بحل قضية اللاجئين المهجرين قسراً من وطنهم الأصلي.
ورغم ذلك فإن تجسيد مبدأ حل الدولتين يجب أن يقوم على وجود دولتين ذات سيادة وعلى الأعتراف المتبادل بينهما، لا التفاوض حول هذا المبدأ الذي اقرته الشرعية الدولية وقراراتها .
إن ما يتم الحديث عنه اليوم دون وضوح للحدود والمحتوى والشكل والمكانة القانونية ، يندرج فقط في إطار إفراغ هذا المبدأ من مضمونه وشكله ومكونه القانوني بعد كل تلك العقود ، وذلك بالاستفادة من الوقت الطويل الذي منحه النظام الدولي القائم والمنحاز باحاديته القطبية إلى جانب إسرائيل التي تستولي اليوم بفعل توسع المستوطنات على ما يقارب ٦٠% من اراضي الدولة الفلسطينية المفترضة بوجود حوالي ٨٥٠ الف مستوطن في أكثر من ٢٤٠ مستوطنة استعمارية وضم القدس كعاصمة موحدة لهم بحيث اصبحت الأرض مجموعة من الجزر المحاصرة ، وبات من المستحيل العودة بتلك الأوضاع إلى الخلف والحديث عن حل الدولتين اليوم كما كان بالأمس .
اننا نستطيع الحديث أو التجاوب مع ما يعلن عن حل الدولتين ، فقط عندما يتم انهاء الأحتلال أولاً وعندما يتوقف هذا المشروع الاستيطاني تماماً وانهائه بمسوؤلية أخلاقية وقانونية من قبل المجتمع الدولي والإشارة له بحدود دولة فلسطين المعترف بها كعضو مراقب بالجمعية العامة للأمم المتحدة عام ٢٠١٢ وما اقرته الشرعيات الوطنية الفلسطينية وتحديدا في وثيقة اعلان الاستقلال ، وعندما تتوقف الولايات المتحدة الشريك الإستراتيجي لإسرائيل عن دعمها المطلق وتظاهرها كوسيط محايد للسلام في وقت اتاحت لها الافلات الدائم من العقاب وتمكينها من الانتهاك المستمر للقوانين الدولية .
العدالة الدولية ،،
في ظل التطورات والمتغيرات الجارية على المستويات المختلفة ، لا يمكن لدولة الاحتلال أن تبقى فوق القانون الدولي ، خاصة مع تصاعد عزلتها أمام الرأي العام الدولي وما تقوم به شعوب العالم من انتفاضة تضامنا مع كفاح شعبنا العادل ومقاومته بالدفاع عن نفسه وفق القوانين الدولية . لقد قامت دولة جنوب إفريقيا وبما تحمله هذه الدولة وشعبها وزعيمها مانديلا من قيم الحرية ومعاداة أشكال الاستعمار والعنصرية ، بجهود إنسانية وقيمية وقانونية وفعل سياسي لم يقم به الآخرون ، فهل سيكون له تبعاته مع إقرار محكمة العدل الدولية امس بقبول القضية المرفوعة ضد إسرائيل بتهمة الابادة الجماعية وفق المعاهدة الخاصة بذلك؟ . فقد كانت المحكمة غاية بالوضوح وفق محددات صلاحياتها بفضح جرائم الاحتلال المرتكبة في غزة من خلال اعتمادها على المرافعة القضائية لجنوب إفريقيا وعلى الوقائع على الأرض وفق تقارير عدد من المنظمات الدولية ، وبالتالي كان قرار المحكمة الذي شكل برأيي بداية مسار جديد من إحقاق العدالة لشعبنا بعد ٧٦ عاما من غيابها ، كما واتخاذ قراراتها امس بضرورة اتخاذ وتنفيذ تدابير إجرائية فورية لوقف كافة الأعمال. إن إسرائيل كدولة متهمة اليوم ستبقى حاضرة أمام العدالة الدولية لفترة زمنية قد تطول بحكم إجراءات المحكمة وصولا إلى الحكم النهائي بالقضية والاتهام الذي باتت منذ الآن توصف به إسرائيل أمام العالم بما سيكون له من تداعيات ليس كما قبل لكن في شكل علاقاتها الدولية ونظرة الرأي العام لها ، بما يتوافق مع وضع إسرائيل اليوم بعد ٧ أكتوبر وهو ليس كما قبله ، وهذا ما يتوجب البناء عليه ليُنتج متغيرات داخل مجتمع دولة الاحتلال نحو وصوله بنتيجة تكلفة إحتلاله وعزلة دولته المتصاعدة إلى ضرورات قناعاته بانهاء اخر احتلال استيطاني يمارسه هو ، وإدراكه بأن من يضطهد شعباً آخر لا يمكن أن يكون هو نفسه حراً .