الأكل ما بعد الشبع جشع: فلسفة العصفور بين اليد والشجرة

محمد قاروط أبو رحمه

ديسمبر 20, 2025 - 13:21
الأكل ما بعد الشبع جشع: فلسفة العصفور بين اليد والشجرة

الأكل ما بعد الشبع جشع: فلسفة العصفور بين اليد والشجرة

محمد قاروط أبو رحمه

(الملخص في بيئة فلسطين المعقدة، وشح الموارد، فان صمودنا على هذه الأرض يلزمه ان نتعلم الكفاية بدل الانانية والاستحواذ)

تبدأ الكفاية من فهمنا لفلسفة العصفور كمثال.

مكان العصفور على الشجرة وليس باليد.

عصفور باليد أفضل من عشرة على الشجرة أنانية واستحواذ.

عصفور على الشجرة احترام للتنوع وضمان تكاثر كائن حي جميل.

والعصفور للأكل وليس للتملك.

عصفور لسد حاجاتنا من الطعام وليس للجشع.

الاكل ما بعد الشبع جشع.

في مجتمع يلهث وراء المزيد دائماً، تطغى النزعة الاستحواذية على السلوك البشري من أبسط جوانب حياتنا كالغذاء، وصولا إلى تعاملنا مع موارد اخرى.

الفكرة اليوم هي أن نعيد التفكير في مفهوم "الكفاية"، مسترشدين بحكمة بسيطة لكنها عميقة: "الأكل ما بعد الشبع جشع".

الجشع يبدأ بلقمة إضافية

نحن كبشر، نمتلك حاجات بيولوجية أساسية للبقاء. الطعام هو وقود الجسد المادي. عندما نأكل لنسد رمقنا ونشبع جوعنا، نكون في حالة توازن فطري. لكن التعدي يبدأ عندما نتجاوز نقطة الشبع. اللقمة الإضافية التي نتناولها ليست حاجة، بل هي رغبة في التخزين أو الاستهلاك الزائد غير المبرر.

هذا السلوك الاستهلاكي ليس محصوراً في المائدة، بل هو نموذج مصغر لنظرتنا الاستحواذية الأكبر للعالم.

فلسفة العصفور: إعادة تعريف الوفرة

المثل الشعبي الشائع يقول: "عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة". هذا المثل، رغم براغماتية المثل الظاهرة، يرسخ لدينا ثقافة "الأنانية والاستحواذ" والخوف من الفقدان. إنه يدفعنا لانتزاع الكائن الحي من بيئته لمجرد ضمان ملكيته الشخصية.

أنا أرى الحكمة في عكس هذه الفلسفة: "عصفور على الشجرة أفضل من عشرة باليد". والسبب بسيط ومنطقي:

لأن مكان العصفور على الشجرة وليس باليد:

 المكان الطبيعي للكائن الحي هو بيئته التي خلقه الله فيها ليعيش ويتكاثر. اليد هي مكان الاحتجاز والتملك، بينما الشجرة هي مكان الحرية والحياة.

احترام التنوع وضمان البقاء:

وجود العصفور على الشجرة هو "احترام للتنوع وضمان تكاثر كائن حي جميل". هذا يضمن استمرار النظام البيئي وتوازنه، وهو ما يعود بالنفع على الجميع على المدى الطويل.

الحاجة مقابل الجشع:

 العصفور يُنظر إليه هنا كـ "طعام" لسد الحاجة فقط، وليس كـ "ملك" للتملك أو التفاخر أو التخزين.

من الاستحواذ إلى التوازن:

النظرة الاستحواذية (عشرة باليد) تقود إلى الاستنزاف، بينما النظرة المتوازنة (عصفور على الشجرة حتى الحاجة) تقود إلى الاستدامة.

"الأكل ما بعد الشبع جشع" هو بيان يدعونا إلى:

الوعي بالاستهلاك: أن نأكل بقدر حاجتنا فقط.

احترام الموارد: أن نأخذ فقط ما يلزمنا من الطبيعة، ونترك الباقي ليضمن استمرار الحياة للجميع.

نبذ الأنانية: أن ندرك أن التملك المفرط هو شكل من أشكال الجشع الذي يضر بالمجتمع والكوكب.

الحاجة إلى الوعي المستمر (اليقظة)

هذا التحول من الجشع إلى الكفاية ليس تلقائياً. إنه يتطلب يقظة مستمرة وانتباهاً واعياً. علينا أن نكون منتبهين للتحولات الدقيقة من "الحاجة" إلى "الرغبة" في سلوكنا اليومي.

عندما نمارس الوعي بالاستهلاك، نتمكن من كبح جماح النزعة الاستحواذية التي زرعتها فينا ثقافة الاستهلاك الغربية الشاملة. الأمر يتطلب انضباطاً ذاتياً لكي نختار التوازن ونرفض الإغراء الدائم بالمزيد.

خاتمة:

دعوة للعيش بتوازن ومسؤولية في بيئة فلسطينية معقدة وشحيحة الموارد

هذا التحول من الجشع إلى الكفاية ليس تلقائياً، إنه يتطلب يقظة مستمرة وانتباهاً واعياً لسلوكنا.

إن العيش بتوازن يعني أن نكون جزءاً من دورة الحياة الفلسطينية وليس سادة عليها. الحكمة تكمن في معرفة متى نقول "كفى"، وإدراك أن الكفاية هي الغنى الحقيقي، وأن الجشِع لا يشبع أبداً. لنتبنى هذه الفلسفة ليس فقط على موائد طعامنا، بل في كل تعاملاتنا مع مواردنا، لضمان استمرار الحياة الحكيمة وليس فقط الكريمة لنا هنا في وطننا فلسطين، وللأجيال القادمة.

تطوير لنص منشور على صفحة جماعة الباب الأدبية وصفحتي فيس بك بتاريخ: 27/5/2023