التهجير القسري خطة "داليت" جديدة في غزة
"أخرجونا من صفد لعدة أيام بحجة حماية المدنيين والى الأن لم نعود" بهذه الكلمات واجه الرئيس محمود عباس الضغوط الكبيرة من العديد من الدول الغربية في بداية العدوان من أجل حمله على أن يطلب من الشعب الفلسطيني الخروج الى سيناء ريثما ينتهي العدوان.
كان موقف القيادة الفلسطينية ثابت وراسخ بمنع التهجير القسري. وارتبط هذا الموقف أساساً بصمود الشعب الفلسطيني ورفضه للتهجير، كما عزز هذا الموقف صلابة الموقف المصري والأردني بمنع التهجير القسري. ومع هذا كله، لم يلغى مخطط التهجير القسري، بل على العكس استمرت إسرائيل بتنفيذ هذا المخطط، وتأمل أن يتم تمريره حتى بعد انتهاء العدوان الاسرائيلي.
في الواقع، إن اسرائيل بارعة جداً في تنفيذ مخطط التهجير القسري، وقد نجحت للأسف في النكبة الفلسطينية عام 1948 بتهجير 900 ألف فلسطيني، كما هجرت 400 ألف نازح في عام 1967، ولم تتوقف إسرائيل عن سياساتها التهجيرية في الضفة الغربية، ، وبدا ذلك واضحاً للعالم أجمع، حيث توسع الاستيطان ومصادرة الأراضي وهدم البيوت وغيرها من الأدوات التي ارتبطت أساساً بالتطهير العرقي الممارس ضد الشعب الفلسطيني.
وفي العدوان الاسرائيلي الأخير على قطاع غزة، ما زالت إسرائيل تستمر في سياستها التهجيرية ضد الشعب الفلسطيني. وقد استخدمت دولة الاحتلال العديد من الأدوات لتنفيذ مخططها، وهي:
1- القتل الممنهج ضد المدنيين بهدف ترويعهم وحملهم للنزوح، حيث استشهد وجرح أكثر من 100 ألف فلسطيني منذ بداية العدوان، 75% منهم من الأطفال والنساء.
2- الطرد المباشر للسكان، حيث تقوم قوات الاحتلال بتجميع الأهالي عراة في ساحات عامة، وتعتقل وتحقق مع العديد منهم، ثم تقوم بعد ذلك بحملهم على النزوح من بيوتهم تحت تهديد السلاح.
3- هدم البيوت والمربعات السكنية والمناطق المحاذية للحدود، بهدف استحالة عودة النازحين الفلسطينيين الى بيوتهم ومدنهم، وقد أشارت تقارير "هيومن رايتس ووتش" والحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد الاسرائيلي الى أن سياسة هدم البيوت وتدمير القرى والأحياء مرتبطة أساساً بالتطهير العرقي ضد الفلسطينيين بهدف تهجيرهم.
4- توزيع المنشورات التي تهدد المدنيين اذا ما بقووا في بيوتهم، حيث تدعوهم الى النزوح الى مناطق أخرى، وقد حدث ذلك مراراً أولها دعوة المدنيين من شمال قطاع غزة الى النزوح الى الجنوب، كما يحدث ذلك بإستمرار في هذه الفترة بالدعوة الى النزوح الى منطقة المواصي بين خانيونس ورفح او من البريج والمغازي الى مواصي دير البلح. وحتي هذه اللحظة نرح أكثر من 1.9 مليون فلسطيني من شمال القطاع الى جنوبه.
5- سياسة التجويع، حيث يعاني أكثر من مليوني فلسطيني في القطاع من مجاعة قاتلة، وقد حذرت منظمة الأمم المتحدة من خطر هذه المجاعة على المدنيين لاسيما أن إسرائيل تمنع وصول المساعدات الغذائية الى قطاع غزة، وفي الوقت الذي كانت فيه تصل الى غزة نحو 600 شاحنة يومياً، تصل اليوم أقل من 100 شاحنة مساعدات الى القطاع لا تغطي سوى 4% من إحتياجات السكان الغذائية. وهذا يفرض ضغوطاً شديدة على المدنيين للخروج الى سيناء بهدف الحصول على الغذاء.
6- تدمير ممنهج للمستشفيات في قطاع غزة وشل الخدمات الصحية المقدمة للمدنيين، حيث يزيد عدد الجرحى الفلسطينيين عن 60 ألف فلسطيني، وفي الوقت الذي تمنع فيه دولة الاحتلال وصول المساعدات الطبية للقطاع، وفي ظل سياسة هدم المستشفيات ومنع وصول الوقود لها، فإن علاج هؤلاء الجرحى سيكون مستحيلاً في القطاع مما بدفع هؤلاء وذويهم للهجرة الى خارج القطاع بهدف العلاج.
7- السعي لفتح باب الهجرة الطوعية الى دول أوروبا وأمريكا اللاتينية وغيرها، وفي تصريح لنتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي فقد أعلن أنه يتفاوض مع عدد من الدول منها كندا والارجنيتن وبعض دول أفريقيا لاستقبال مزيد من المهاجرين من غزة.
في النتيجة، إن المراهنة على الصمود الفلسطيني في التصدي لمشروع التهجير القسري أمر ضروري للتصدي لهذا العدوان، والذي يعزز هذا الصمود هو وعي الفلسطينيين بارتباط هذه السياسة الاسرائيلية بإعادة احتلال قطاع غزة وتعزيز الاستيطان الاسرائيلي فيها. وهذا ما تهدف اليه اسرائيل تماماً. إنها تريد غزة خالية من السكان حتى تعيد استيطانها تماماً كما فعلت في إطار خطة "داليت" في النكبة.