الفدائي في كأس العرب… قضية تمشي على قدمين

وصال أبو عليا

ديسمبر 14, 2025 - 09:43
الفدائي في كأس العرب… قضية تمشي على قدمين

لم تكن مشاركة منتخب فلسطين في كأس العرب مجرد رحلة كروية تبحث عننقاط أو تسجيل حضور رمزي في سجلات البطولة؛ لقد كانت معركة بقاءيخوضها الفدائيون بقلوب يعتمرها وطن بهامة مرفوعة، وسواعد تستنهضعزيمة الحياة. 

 

هؤلاء اللاعبون لم يرتدوا قمصانهم كزيّ رياضي، بل كانت زيّ الكينونة، عباءةللذات التي ترفض الانكسار، ورايات حملها الفدائيون في أصعب اللحظات، ترفرف من أجل فكرة واحدة: أن فلسطين حاضرة، وأنها قادرة، وأنها تقاتلحتى صافرة النهاية مهما كان الخصم ومهما ضاق الطريق.

 

في كل مباراة، بدا المنتخب وكأنه يصعد إلى ساحة اشتباك، حيث تتداخلالحرية مع الحتمية، فالكرة لم تكن كرة؛ بل كانت رصاصة أمل تسعى للوصولإلى شباك الخصوم، والملعب لم يكن ملعبًا؛ بل كان أرض مواجهة يحاول فيهاالفلسطيني أن يثبت حياته بجدارة، أن يصرخ: ها نحن هنا!

 

لم يكن اللاعبون يتعاملون مع الدقائق على أنها وقت رياضي، بل كأنهامساحات زمنية تُنتزع انتزاعًا من عدمية العالم، فرصة لإعادة تعريف الوجود. وكانت كل لحظة إضافية، فرصة أخرى لرفع الرأس، لقول شيء لم يسمح لهمالعالم بقوله سياسيًا، فصرخوا به رياضيًا.

 

أمام كل فريق عربي وقف "الفدائي" لا بوصفه منتخبًا وحسب، بل كيانفلسفي حي، وقضية تمشي على قدمين، ذاكرة وطن تُترجم إلى تمريراتسريعة وصمود دفاعي ورغبة أخيرة في التسجيل، حتى لو ضاعت كل الفرصالسابقة.

 

كانوا يقاتلون وكأنهم آخر جنود المعركة، لا خيار لديهم إلا أن يبقوا واقفين. فكلهدف سجّله اللاعبون كان يشبه طلقة ضوء تخترق عتمة الأخبار اليومية منالوطن الجريح، وكل هجمة خطرة كانت صدى لنبض شعب ينهض من الإبادة.

 

لم يفصل أحدٌ بين الرياضة والقضية؛ فالفلسطيني يدخل كل ميدان وهو يحملمعه ظلال المخيمات، حنين المدن المحاصرة، ووجع الغائبين؛ لذلك فإن أداءالمنتخب لم يكن مجرد أداء كروي، بل كان سيرة وطن تُروى، وحكاية شعبيشقّ الريح.

 

ورغم قلة الإمكانيات، وتشتت اللاعبين بين الداخل والشتات، وصعوبةالمعسكرات والمباريات، وقف "الفدائي" أمام منتخبات تملك تجهيزات وجيوشًامن الخبرات، لكنه كان يملك روحا لا تُهزَم، مستمدة من شعب اعتاد أن ينهضمن الرماد، وأن يصرخ كلما حاولوا إسكات صوته.

 

وهكذا، في كأس العرب، أثبت منتخب فلسطين أنه ليس مجرد ضيف، بل مقاتلبرتبة فدائي، يحمل راية بلاده على كتفه كما يحمل الجندي بندقيته، ويقف فيالملعب كما يقف المرابط على الخط الأول، لا يتراجع، لا ينكسر، ويصمد حتىاللحظة الأخيرة؛ وكأنّها معركة البقاء.