صفقة الـF-35 مع السعودية... بين وعود البيت الأبيض وقيود المؤسسة الأميركية

نوفمبر 25, 2025 - 09:41
صفقة الـF-35 مع السعودية... بين وعود البيت الأبيض وقيود المؤسسة الأميركية

شهد الأسبوع الماضي حدثاً بارزاً في واشنطن حين استقبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في المكتب البيضاوي. وفي أعقاب الاجتماع، أدلى ترمب بتصريح أثار موجة واسعة من التفاعل السياسي والإعلامي، إذ أعلن أنه وافق على بيع مقاتلات F-35 للمملكة العربية السعودية، مؤكداً أن الطائرات التي ستحصل عليها الرياض ستكون "بالضبط مثل تلك التي مُنحت لإسرائيل"، في إشارة مباشرة إلى أعلى مستوى من التكنولوجيا الشبحية المتاحة لدى الولايات المتحدة. هذا التصريح بدا لوهلة وكأنه نقلة إستراتيجية كبرى في العلاقات الدفاعية بين البلدين، لكنه سرعان ما تحوّل داخل واشنطن إلى محور جدل حاد، خصوصاً داخل الكونغرس والدوائر الأمنية التي نظرت إليه بقدر كبير من الشك والتحفظ.

ورغم أن كلام ترمب حمل نبرة واثقة ومباشرة، فإن المسؤولين التشريعيين والأمنيين اعتبروا أن ما قاله الرئيس أقرب إلى رسالة سياسية موجّهة للرياض منه إلى إعلان عملي قابل للتنفيذ. فبيع طائرة بالقدرات الشبحية الكاملة، خاصة بالنسخة التي تملكها إسرائيل، لا يدخل في صلاحيات الرئيس حصراً، بل يخضع لمنظومة معقدة من القوانين والمراجعات الأمنية الصارمة التي يصرّ الكونغرس على تطبيقها دون استثناء. وهكذا، تحوّل تصريح ترمب إلى نقطة انطلاق لنقاش أعمق حول مدى إمكانية — بل واقعية — تحقق هذا الوعد.

التفوق العسكري الإسرائيلي... حجر الأساس في السياسة الأميركية

يشكل ضمان التفوق العسكري النوعي لإسرائيل أساساً ثابتاً في الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، وقد تحوّل هذا المبدأ إلى قانون مُلزِم لا تستطيع أي إدارة تجاوزه. وبما أن الـF-35 تمثل رأس هرم القوة الجوية الأميركية، فإن مجرد طرح فكرة بيعها للسعودية يثير اعتراضاً تلقائياً داخل الكونغرس، بغض النظر عمّن يجلس في البيت الأبيض.

فاللوبي الإسرائيلي، عبر أدواته العميقة في الكونغرس والإعلام ومؤسسات التأثير، يعمل على ضمان ألا تمتلك أي دولة عربية قدرات جوية شبحية قد تُعتبر تهديداً محتملاً لإسرائيل في المستقبل. ولهذا، لا يحتاج المسؤولون الإسرائيليون إلى إطلاق تصريحات علنية؛ فالهيكليات القائمة في واشنطن تُنتج الاعتراض تلقائياً.

تكنولوجيا حساسة تتجاوز حدود الثقة السياسية

لا تُعامل الولايات المتحدة الـF-35 كطائرة مقاتلة فقط، بل كنظام عملياتي متداخل يعتمد على برمجيات فائقة الحساسية ترتبط مباشرة بمنظومات القيادة والسيطرة الأميركية. ولذلك، فإن وجود تقنيات صينية أو روسية في البيئة التشغيلية لهذه الطائرة — سواء في الاتصالات أو الرادارات أو البنية التحتية الإلكترونية — يمثل تهديداً أمنياً لا تقبل واشنطن المجازفة به.

وتشير تقارير أميركية استخباراتية إلى مخاوف من وجود أدوات تكنولوجية صينية في بعض المنشآت السعودية، ما يجعل البنتاغون متردداً في إدخال الـF-35 إلى هذه البيئة. هذا العامل يستخدمه المسؤولون الإسرائيليون بقوة، إذ يعتبرون أن أي ثغرة أمنية — مهما كانت صغيرة — قد تقوّض ميزتهم الجوّية التي تقوم عليها استراتيجيتهم الإقليمية.

التطبيع... الشرط السياسي غير القابل للتحقق حالياً

تعتمد واشنطن منذ سنوات سياسة ربط "الحوافز الأمنية النوعية" — وعلى رأسها الـF-35 — بالانخراط في مسار التطبيع مع إسرائيل. غير أن السعودية ثابتة في موقفها القائل إنه لا تطبيع دون قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. هذا الموقف يضع الرياض في مواجهة مباشرة مع الرؤية الإسرائيلية، ويحدّ من قدرة واشنطن على استخدام ملف الطائرة كورقة تفاوضية فعّالة، ويجعل الصفقة أقل قابلية للتسويق السياسي داخل الولايات المتحدة.

الكونغرس... العقبة الأكثر صلابة

مهما كانت رغبة البيت الأبيض، يبقى الكونغرس هو صاحب السلطة الحقيقية في صفقات السلاح الكبرى. والواقع أن غالبية أعضاء الكونغرس — من الحزبين — يعارضون بشكل قاطع فكرة منح السعودية تكنولوجيا شبحية بهذا المستوى، سواء بسبب الالتزام بالتفوق الإسرائيلي، أو بسبب ملفات حقوق الإنسان، أو التعاون العسكري–التقني بين الرياض وبكين.

ويجمع مطلعون داخل لجان الشؤون الخارجية والخدمات المسلحة على أن تمرير صفقة كهذه "غير وارد في المستقبل القريب"، بغض النظر عمّن يسكن البيت الأبيض.

درس تركيا... عندما أطاح الكونغرس بصفقة مع ثاني أكبر جيش في الناتو

تكشف حالة تركيا حدود ما يمكن أن تمنحه واشنطن في ملف الـF-35. فتركيا — ثاني أقوى جيش في الناتو — كانت طرفاً أساسياً في برنامج تصنيع الطائرة، ودفعت مليارات الدولارات، وصنعت بالفعل أجزاء منها. ومع ذلك، تم استبعادها كلياً من البرنامج بعد حصولها على منظومة الدفاع الروسية S-400. رأى الكونغرس حينها أن إدخال التكنولوجيا الروسية إلى البيئة التركية قد يسمح لموسكو بفهم البصمة الشبحية للطائرة، وهو خط أحمر لا يقبل الأميركيون المساس به.

هذه السابقة تبيّن أن القيود لا تُطبَّق على الدول العربية فقط، بل تشمل حتى أهم حلفاء الولايات المتحدة. وبالتالي، فإن السعودية — خارج الناتو، وبعلاقات أمنية أكثر تعقيداً — تواجه طريقاً أشد صعوبة.

السعودية... بين الضرورات الاستراتيجية وحدود الممكن

بالنسبة للرياض، يمثل الحصول على الـF-35 نقلة ضرورية لتطوير قدرتها الجوية في مواجهة التهديدات الإقليمية. لكن حتى لو تم فتح باب النقاش مستقبلاً، فمن المرجّح أن يكون العرض — إن وُجد — "منقوص القدرات"، بحيث تُفرض عليه قيود تشغيلية وبرمجية تقلل من استقلالية الطائرة، ما قد يفقدها كثيراً من قيمتها الإستراتيجية. وعلى الرغم من الإعلان القوي الذي صدر من المكتب البيضاوي، تبقى الحقائق الأساسية دون تغيير:التفوق الإسرائيلي، وحساسية التكنولوجيا، وتجربة تركيا، وموقف الكونغرس، كلها تجعل صفقة الـF-35 — بالنسخة الكاملة — شبه مستحيلة في المستقبل المنظور.