"المقاومة الشعبية رؤية متجددة ومسار وطني مستمر: تعقيب على مقال أ. معمر العويوي"

منى ابو حمدية

نوفمبر 10, 2025 - 10:02
"المقاومة الشعبية رؤية متجددة ومسار وطني مستمر: تعقيب على مقال أ. معمر العويوي"

منى ابو حمدية

قرأت باهتمام بالغ مقال الأستاذ معمر العويوي عبر جريدة ے، "بين النقد البنّاء والرؤية الوطنية لحركة فتح " الذي تناول فيه البرنامج السياسي للرئيس محمود عباس، القائم على المقاومة الشعبية ومحاربة الفساد وبناء المؤسسات، وما طرحه من تساؤلات حول مدى نجاح البرنامج أو تعثره في التنفيذ. ولا شك أن مثل هذا الطرح النقدي، حين يصدر من مثقفين وطنيين حريصين على المسار الفلسطيني، يُسهم في إثراء الحوار الوطني ويعيد الاعتبار للفكر المسؤول الذي لا يكتفي بالتصفيق بل يفتّش في مكامن الخلل.

غير أن قراءة التجربة من منظور حركة فتح، التي حملت هذا البرنامج منذ تأسيس السلطة الوطنية وحتى اللحظة، تستدعي رؤية أشمل تربط بين الظرف التاريخي والبيئة السياسية التي أحاطت بالتجربة، وبين ما تحقق فعلاً وما أُحبط قسراً تحت ضغط الاحتلال والانقسام وتحديات التمويل والسياسة الدولية.

اولاً : حول جوهر البرنامج الرئاسي والمقاومة الشعبية

منذ اللحظة الأولى، أكدت حركة فتح والرئيس محمود عباس أن المقاومة الشعبية ليست بديلاً عن النضال المسلح فحسب، بل هي مرحلة وعي واشتباك يومي تستند إلى فكرة "المقاومة المدنية المستدامة" التي تحافظ على الإنسان الفلسطيني فاعلاً في أرضه ومنتجاً في اقتصاده، بدل أن يُستنزف في صراعات جانبية أو مواجهات غير متكافئة.

وقد استطاع هذا النهج، رغم كل العقبات، أن يحمي المشروع الوطني من الانهيار الكامل في مراحل عصيبة، وأن يعيد الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة مراقب في الأمم المتحدة عام 2012، ويُبقي قضيتنا حيّة في المحافل الدولية رغم محاولات طمسها.

ثانياً : في مسألة التطبيق والتنفيذ

ما أشار إليه الكاتب من فجوة بين الفكرة والواقع صحيح جزئياً، غير أن الخلل لم يكن في البرنامج ذاته، بل في البيئة السياسية المنقسمة التي أضعفت قدرته على التحول إلى فعل ميداني شامل.

فالانقسام الذي فُرض على الساحة الفلسطينية منذ عام 2007 شكّل الضربة الأعمق لمفهوم المقاومة الشعبية الموحدة، وأفقدها غطاءها التنظيمي والمؤسسي الكامل. ومع ذلك، لم تتوقف حركة فتح عن دعم التجارب الميدانية في بلعين ونعلين وبدرس وباب الشمس وغيرها من بؤر المقاومة الشعبية التي شكلت نموذجا وطنيا يُحتذى به.

ثالثاً: حول قضايا الفساد والإصلاح المؤسسي

تدرك حركة فتح أن بناء الدولة ليس شعاراً ، بل مسار طويل ومعقد، وأن الإصلاح عملية تراكمية لا تتحقق بقرارٍ إداريّ، بل بثقافة مؤسساتية متكاملة.

لقد أطلقت القيادة الفلسطينية خلال العقد الأخير إصلاحات واسعة في الأجهزة الأمنية والإدارية والقضائية، وفعّلت هيئة مكافحة الفساد التي قدّمت مئات القضايا إلى القضاء.

ومع أن الطريق ما زال طويلاً، فإن الاعتراف بالخلل جزء من قوة الحركة لا من ضعفها، لأن فتح كانت وما زالت مدرسة النقد الذاتي والمراجعة الوطنية.

رابعاً : في أهمية التقييم والمحاسبة

تؤمن فتح بأنّ التقييم والمساءلة هما شرط استمرارها وريادتها. ولذلك دعت القيادة مرارا إلى مؤتمرات تقييمية داخلية لمراجعة البرامج الوطنية والميدانية، وإلى توسيع المشاركة الشبابية والنسوية في صنع القرار.

وليس من الدقة القول إن البرنامج لم يُراجع، إذ إن كل دورة للمجلس الثوري والمركزي والمجلس الوطني حملت في أجندتها مراجعة لأداء المؤسسات وآليات تنفيذ البرنامج الوطني.

خامساً : المستقبل ومسؤولية الجميع

إنّ الدعوة إلى المراجعة الشاملة التي ختم بها الكاتب مقاله هي مطلب فتحاوي بامتياز. لكن هذه المراجعة يجب أن تكون جماعية ووطنية، لا تُحمّل جهة واحدة مسؤولية إخفاقات نتجت عن واقعٍ سياسي متشابك تُسهم فيه أطراف عديدة داخلية وخارجية.

فالمقاومة الشعبية لا يمكن أن تنجح دون مصالحة وطنية حقيقية، ودون تحييد الخلافات الفصائلية، ودون دعم عربي ودولي واضح للمسار السياسي الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا.

ختاماً؛

إنّ حركة فتح لا تخشى النقد، بل تعتبره طاقة تصحيح حين يُقدَّم من منطلق وطني ومسؤول. والبرنامج الرئاسي الذي تبنّته الحركة ما زال الإطار الأكثر واقعية واتزاناً للحفاظ على هوية الشعب الفلسطيني، وعلى وحدة النضال بين السياسة والميدان.

فالخلل ليس في الرؤية، بل في الإصرار على تجاوز الانقسام، واستعادة وحدة المؤسسة، وتحشيد طاقات الشباب في مشروع وطني جامع يعيد للمقاومة الشعبية معناها الأصيل: مقاومة تبني ولا تهدم، وتحرر ولا تشرذم.