الحرب التي تعيش في هاتفك!”
“الحرب التي تعيش في هاتفك!”
مواقع التواصل الاجتماعي… السلاح الأخطر في حروب الجيل الرابع
في زمنٍ لم تعد فيه الحرب تُخاض بالمدافع والدبابات فقط، تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ميدانٍ جديدٍ للسيطرة على العقول وتوجيه الرأي العام، فيما يُعرف بـ”حروب الجيل الرابع” — وهي الحروب التي تستهدف تفكيك المجتمعات من الداخل دون إطلاق رصاصة واحدة.
من السلاح التقليدي إلى سلاح الكلمة
جوهر هذه الحروب يقوم على المعلومة؛ فالكلمة، الصورة، والمقطع القصير باتت أدوات تأثير أكثر فاعلية من أي ترسانة عسكرية. فاليوم تُهزم الدول ليس على الحدود، بل على شاشات الهواتف وفي فضاءات “فيسبوك” و“إكس” و“تيك توك”، حيث تُدار المعارك على الوعي والذاكرة والانتماء.
كيف تُستخدم مواقع التواصل كأداة حرب؟
1. نشر الشائعات وتزييف الوعي: عبر جيوش إلكترونية وحسابات مزيفة تُغرق الفضاء العام بسيلٍ من الأخبار الكاذبة لتشويش الحقيقة وبثّ الفتنة.
2. الهجمات المنظمة على الرموز والمؤسسات: بهدف فقدان الثقة في القيادات الوطنية، وإشاعة صورة سلبية عن كل من يدعو للتماسك والاستقرار.
3. التضليل البصري والصوتي (Deepfake): تقنيات حديثة تُنتج صورًا ومقاطع مزيفة لشخصيات عامة لتدمير سمعتها أو تحريف مواقفها.
4. استغلال العاطفة: تحويل الغضب أو الخوف إلى أداة تحريك جماعي دون وعي، مما يجعل الجمهور يتفاعل انفعاليًا لا عقلانيًا.
5. الاستهداف النفسي والمعنوي: عبر بثّ الإحباط، إشاعة الفوضى، وتضخيم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
أمثلة واقعية من التاريخ الحديث
• الربيع العربي (2011): لعبت مواقع التواصل دورًا مزدوجًا، إذ كانت وسيلة حشدٍ وتعبئة، لكنها تحوّلت لاحقًا إلى ساحة فوضى إعلامية سمحت بتدخلات خارجية غيّرت مسار الأحداث.
• الانتخابات الأمريكية 2016: استخدمت شبكات من الحسابات المزيفة والإعلانات الموجّهة للتأثير على الناخبين وزرع الشك في المؤسسات الديمقراطية.
• ميانمار (2017): حوّلت الدعاية الممنهجة عبر فيسبوك الخلافات إلى خطاب كراهية وعنف ضد أقلية الروهينغا.
• روسيا – أوكرانيا (منذ 2014): تُدار الحرب على محورين: عسكري ومعلوماتي؛ حيث يستخدم الطرفان السوشال ميديا لتجنيد الدعم الدولي وبث روايته الخاصة.
لماذا هذه الأدوات فعالة؟
لأنها تخاطب العاطفة لا العقل، وتستغل ضعف وعي المتلقي وسرعة انتشاره في مشاركة المحتوى دون تحقق. إضافة إلى أن الخوارزميات تفضّل المحتوى المثير للانفعال، مما يُضاعف انتشار الأكاذيب أكثر من الحقائق.
الوقاية والمناعة الرقمية
مواجهة هذه الحرب لا تكون بحجب المنصات، بل ببناء وعي جمعي قادر على التحقق، التحليل، وعدم الانجرار وراء الموجات العاطفية. التعليم والإعلام المهني والتربية الرقمية هي خط الدفاع الأول. فالمجتمع الواعي لا يُخترق بسهولة، حتى لو أُغرِق بالمعلومات المضلّلة.
ختاماً
إن حروب الجيل الرابع تُخاض اليوم على ساحة الوعي. من ينتصر فيها ليس من يملك السلاح الأقوى، بل من يملك العقل الأوضح والرؤية الأعمق. في عالمٍ تسوده الفوضى المعلوماتية، يصبح التحقق والوعي والاتزان أشكالاً جديدة من المقاومة.
الاء عليان





