أميريكا في "مفترق جيلين "!
أميريكا في "مفترق جيلين "!
ما أن أعلن عن فوز ( زهران ممداني) بمنصب عمدة نيويورك ؛حتى اكتظت صفحات التواصل الإجتماعي ؛ بالعديد من التغريدات والتدوينات والتحليلات والتعليقات ؛ وكل ينفق مما عنده؛ لدرجة أن خرج علينا البعض ليحدثنا ؛ عن "طوفان غزة الذي وصل إلى قلب اميريكا" ؛ بل ربما يخرجون علينا في قادم الأيام ؛ لوصف هذا الفوز ؛ ب " غزوة بدر الكبرى"٠
وهو ما يفرض عليناالمبادرة؛ إلى - وقفة - جادة وموضوعية أمام هذا الفوز ؛وقراءة تحليلية له ؛ ولو عجلى ؛ في الخلفية والأبعاد الحقيقة التي تقف خلفه ؛ والتي نستطيع إرجاعها؛وبعيداً عن عواطفنا وغرائزنا ؛إلى متغير رئيسي ؛ يتمثل في إشكالية "صراع الأجيال" في النظام السياسي الأمريكي:
-جيل قديم ؛ المثقل بماضيه الملوث ؛ بسادية الإستحواذ على السلطة والثروة ؛ ونزعة الطبقية والعرقية ؛ وإنتاج الفساد ورعايته والإستفادة منه ؛وكل أشكال الممارسات المهينة للكرامة الإنسانية؛وعربدة القوة العمياء لإخضاع الشعوب وحكامها؛للسيطرة والعيش؛ تحت المظلة الأمريكية ٠
جيل جديد ؛أو ما اصطلح على تسميته جيل زد" أو"GenZ" بعبارة أخرى أكثر وضوحاً ؛ الجيل الذي ولد بين عامي ١٩٩٧و٢٠١٢؛وترعرع في عصر وكنف الإعلام الرقمي ٠
ولعل من أبرز سمات هذا الجيل ؛ مهارته التقنية العالية ؛ودفع الثورة الرقمية ؛وعيهم السياسي والإجتماعي ؛ وهو الجيل الأكثر تنوعاً عرقياً؛ في التاريخ الأمريكي ؛ ويتفوق على جميع الأجيال الأخرى التي سبقته في إحتضان التنوع والتجانس والشمول ؛ على أن التنوع لا يقتصر على تجاوز جيل الألفية من حيث الخلفيات العرقية والثقافية؛ بل يشمل أيضاً قضايا إجتماعية أوسع ؛ كالتنوع اللغوي ؛ وتطور مفهوم النوع أو ما يعرف ؛ب"الجندر" ومن الناحية القيمية ؛ يتميز بنزعته المثالية ورغبته في تغيير الواقع الأمريكي ؛ ويتوقع خدمات عمومية أسرع وأشمل ؛ جيل ممتلىء بوعي ؛مبادىء الحكامة الراشدة؛ كالنزاهة والشفافية والمساءلة والمحاسبة ؛والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية ؛ وتوسيع الفرص للفئات المهمشة؛ وإليها يسعى ويبني فكره؛بل يعتبرون أنفسهم جزءًا فاعلاً في مواجهة التحديات والمشكلات العالمية المعاصرة مثل مشكلة المناخ والبيئة؛ والحروب؛ وخلق مناخ من السلام والاستقرار والأمن العالمي ٠
ولعل( زهران ممداني) قد أدرك؛الثوريةالمفترضة لهذا الجيل ؛ وحماسه العفوي؛ وطموحه القوي؛ لتحقيق مطالبهم المبررة والمشروعة؛وليجعل منهم ؛اهم مفاتيح التغيير لواقع سيء هم ضحاياه ٠
وهو ما تجسد فعلاً في برنامجه الإنتخابي ؛ الذي يميل وينحاز إليهم ويلامس همومهم ؛ خاصة ؛وأن غالبية هذا الجيل تنحدر من الطبقة الفقيرة والمتوسطة ؛وحيث عجزت الأنظمة الحاكمة السابقة عن تسوية مظالمهم وتلبية مطالبهم ٠
ونظرة خاطفة إلى بنود هذا البرنامج ؛نجدها تتركز في النواحي التالية:
-تجميد أسعار إيجارات الشقق ٠
- رفع الحد الأدنى للأجور إلى (٣٠) دولار في الساعة ٠
- توفير حافلات مواصلات سريعة مجانية ٠
- توفير رعاية مجانية لأطفال العاملين (حضانات)٠
- توفير رعاية صحية إضافية لكبار السن ٠
- إدارة السلامة الإجتماعية ٠
- توفير متاجر مجانية لسكان الولاية ٠
ـ فرض ضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى ٠
وهو الأمر الذي جعل هذا الجيل يرى في ممداني ؛ إبن العقد الثلاثيني من العمر ؛ رمزاً له ؛ وصوت " جيل جديد" يعبر عن غضبه ؛تجاه السياسات الاقتصادية والاجتماعية لأنصار السوق الحر ؛ وفشلهم في تقديم بدائل مقنعة له ؛وإطاراً كفوءاً؛ للإطاحة بالطبقة الحاكمة التي شغلت ساكني الولاية بفسادها وفضائحها الأخلاقية؛وفشلت في حل المعضلات الكبرى له رغم تضاعف الإمكانات وضخامة الميزانيات ؛ وحيث بلغت ميزانية نيويورك نحو (٢٤٠) مليار دولار للعام( ٢٠٢٥)٠
ولعل هذا ما ذهبت إليه صحيفة ؛( ذا هِل)( The Hill) الأمريكية ؛ التي خرجت علينا ؛ لتحدد خمسة أسباب قالت إنها ؛ هي من أهم ما قاد لهذه النتيجة ؛ والتي ركزتها تحت بند " القدرة على تحمل تكاليف المعيشة"والتي تضمنها برنامج ممداني ٠
مجمل القول: أن انتصار ممداني ؛ وفوزه بكرسي عمدة نيويورك ؛ لم يكن إنتصار ؛ له علاقة بأي متغيرات خارجية ؛ كما ذهب إليه الكثير ؛ وحاولوا تسويقه؛ كحقيقة ؛على خلاف الواقع والحقيقة المركزية ؛التي تتعلق؛ بتحولات كبيرة في البنية الطبقية والإجتماعية والسياسية الأمريكية ؛ وتتمثل في بداية أفول نجم طبقة حاكمة تنظر إلى اميريكا ؛ك" محمية" تحمي القوى التقليدية التي تنتج الفساد وترعاه وتحميه وتستفيد منه ؛ وقد باتت تحمل على ظهرها حقائب فضائحها وخطاياها؛حتى لا تراها ؛كما تحمل نعشها انتظاراً لقرب حتفها ٠٠ وفي المقابل بزوغ نجم جيل جديد ؛ له مذاقه ونكهته الخاصة وبعذوبة مهارته التقنية ؛ووعيه وانتصاره لثقافة الحياة والعدل والثورة على الأحكام الشمولية؛و كل أشكال الممارسات المهينة للكرامة الإنسانية٠
هذه هي الحقيقة المركزية ٠٠وما عداها هو مجرد
هرطقة ؛وركض سريع وراء اوهام إنقلاب دراماتيكي مفاجىء ؛في الموقف الأمريكي لصالح المنطقة ولصالح شعبنا الفلسطيني وقضيته ٠٠!!
عمرو العملة



