اللجنة الإدارية المؤقتة.. تحديات الحُكم والمرجعيات واستقلالية القرار
على وقع موافقة عدد من الفصائل على تشكيل لجنة إدارية مؤقتة من تكنوقراط لإدارة الحياة اليومية وإعادة الإعمار في قطاع غزة، تحت إشراف محتمل لقوات دولية، في محاولة لتخفيف الأزمة الإنسانية وتحقيق الاستقرار، فإنّ ثمة تحديات كبيرة أمام تلك اللجنة، بينها غياب التوافق الكامل مع غياب حركة "فتح" رسمياً وحضور "التيار الإصلاحي"، وكذلك إمكانية قبول تلك اللجنة دولياً وإسرائيلياً.
ويؤكد كتاب ومحللون سياسيون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن غياب حركة "فتح" الرسمية عن الاجتماعات الأخيرة، مقابل حضور التيار الإصلاحي والفصائل الأخرى، يسلط الضوء على تحوّل واضح في بنية التمثيل السياسي داخل القطاع، ما يثير تساؤلات حول شرعية اللجنة المؤقتة واتساقها مع المرجعية الفلسطينية الرسمية، ويؤكد أن أي تجربة إدراية دون توافق شامل قد تبقى ناقصة الأثر وتعرض المشروع الوطني للتجزئة.
المطلوب رؤية وطنية شاملة تعالج بنية النظام السياسي
يؤكد الناطق باسم جامعة النجاح الوطنية وأستاذ العلوم السياسية د.رائد الدبعي أنّ أي مشروع فلسطيني وطني ناجح يفترض أن يقوم على تنسيق كامل مع الجسم الشرعي الوحيد المعترف به دولياً، وهو منظمة التحرير، ومن خلالها السلطة الوطنية الفلسطينية.
ويشدد الدبعي على أنّ تجاوز هذا الإطار يعقّد فرص النجاح على الأرض، في ظل تشابك التداخلات الإسرائيلية والأمريكية والإقليمية، وتعقيدات المشهد الداخلي في قطاع غزة.
ويوضح الدبعي أنّ فكرة الإدارة المؤقتة لقطاع غزة، التي طُرحت في اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة، والتي تنص على تشكيل هيئة مستقلة لإدارة القطاع بإشراف قوات دولية وبقرار أممي، لن تنجح إلا ضمن رؤية وطنية شاملة تعالج بنية النظام السياسي الفلسطيني وتعيد تعريف العلاقة بين مكوناته الرسمية والمجتمعية.
ويشير إلى أنّ الدور المصري يبقى ركيزة أساسية في أي ترتيبات مقبلة، نظراً لإجماع عربي رسمي على قيادته لهذا الملف، ولأنّ موقف القاهرة الحازم الرافض لتهجير سكان غزة إلى سيناء أكسبها مصداقية سياسية وشعبية واسعة.
ومع ذلك، يرى الدبعي أن هذا الدور، رغم أهميته، لا يمكن أن يحلّ محل حوار وطني شامل يضمّ كل أطياف المجتمع الفلسطيني من نساء وشباب ونقابات وجامعات ومؤسسات مدنية وبحثية، وهي قوى تم تهميشها لعقدين من الانقسام الذي أضعف البنية المؤسسية والمشاركة السياسية.
ويلفت الدبعي إلى أنّ غياب حركة "فتح" عن اجتماع القاهرة يشكّل عامل ضعف بنيوي، لأن أي مشروع سياسي أو إداري في الساحة الفلسطينية لا يمكن أن ينجح بمعزل عن الحركة التي ما تزال تمثل العمود الفقري للنظام السياسي الفلسطيني وأحد أبرز مصادر شرعيته التاريخية.
ويشدد الدبعي على أنّ استبعاد حركة "فتح" أو تغييبها يجعل مخرجات الاجتماع ترتيبات جزئية لا تعبّر عن وحدة القرار الوطني ولا عن شمولية التمثيل الفلسطيني.
ويبيّن أنّ الفصائل تعاني من أزمات بنيوية مركبة، تشمل الضعف التنظيمي وانحسار القاعدة الشعبية، إذ لا تمتلك بعض الفصائل فاعلية توازي حتى بعض الجمعيات المدنية النشطة.
وهذا الواقع، برأي الدبعي، يجعل احتكار القرار الوطني من قبل النخب الفصائلية أمراً يتنافى مع مبدأ التمثيل الشامل والتعددية السياسية.
ويقول الدبعي: "المجتمعات الخارجة من الحروب تميل إلى إطلاق حوارات شاملة تؤسس لمرحلة جديدة من البناء السياسي والاجتماعي على أساس التلاقي لا الانقسام، لكن الحالة الفلسطينية ما زالت رهينة سردية الانقسام ذاتها، التي تتجاهل تحولات الواقعين الإقليمي والدولي".
التعامل مع قطاع غزة كأنه إقليم محرّر!
ويؤكد الدبعي أنّ الخطاب السياسي الفلسطيني يتعامل مع قطاع غزة كأنه إقليم محرّر، في حين أنّ أكثر من نصف مساحتها لا يزال تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة، مشيراً إلى أنّ رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى لتحويل هذا الوجود العسكري المؤقت إلى احتلال دائم تحت ذرائع أمنية أصبحت دائمة.
ويؤكد الدبعي أنّ القضية الوطنية الفلسطينية اليوم تحتاج إلى تفكير عقلاني يستند إلى الوعي والمصلحة العامة، بعيداً عن منطق تقاسم النفوذ أو إعادة توزيع السلطة.
ويدعو الدبعي إلى إعادة بناء المشروع الوطني على أسس مؤسسية ديمقراطية تقوم على المشاركة والشفافية والمساءلة، واستثمار الزخم الدولي المتزايد الداعم للحقوق الفلسطينية.
وفي تحليله لغياب حركة "فتح" عن الاجتماع مقابل حضور التيار الإصلاحي، يوضح الدبعي أن ذلك يحمل دلالات سياسية عميقة تتجاوز الشكل إلى جوهر التحولات في بنية الحركة الوطنية الفلسطينية.
غياب "فتح" وحضور "التيار الإصلاحي"
وبحسب الدبعي، فإنّ غياب "فتح" يُضعف الاجتماع من حيث الشرعية السياسية والوطنية، خاصة أنّ نائب رئيس منظمة التحرير ورئيس جهاز المخابرات العامة حضرا الاجتماع بصفتهما الرسمية لا الحركية، ما يعني أن "فتح" كمكوّن سياسي لم تكن طرفاً مؤسسياً فيه.
ويرى الدبعي أن حضور التيار الإصلاحي وجلوسه إلى طاولة واحدة مع حركة "حماس" برعاية مصرية يمثل تحولاً مهماً في موقعه السياسي والإقليمي، ومحاولة لتكريس نفسه طرفاً فاعلاً في ترتيبات ما بعد الحرب على غزة، خصوصاً في ملفات إعادة الإعمار والإدارة المدنية للقطاع، وهو ما يشكّل تحدياً مباشراً للقيادة الرسمية لحركة "فتح".
ويعتبر الدبعي أنّ هذا التطور يعكس حالة "انقسام داخل الانقسام"، حيث لم يعد الصراع مقتصراً على الخلاف بين "فتح" و"حماس"، بل امتدّ إلى داخل الحركة الوطنية الأم نفسها، ما يُضعف مركزية القرار الوطني ويزيد تشتت المشروع السياسي الفلسطيني.
ويؤكد الدبعي أنّ غياب "فتح" وحضور التيار الإصلاحي يمثلان مؤشراً استراتيجياً على مرحلة إعادة التشكل داخل الحركة الوطنية الفلسطينية.
ويدعو الدبعي قيادة "فتح" إلى مراجعة داخلية شاملة لإعادة بناء وحدتها واستعادة دورها التاريخي في قيادة المشروع الوطني، في ظل متغيرات إقليمية ودولية تعيد تشكيل النظام السياسي الفلسطيني برمّته.
العلاقة بين اللجنة الإدارية المقترحة والمرجعية العليا
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي عوني المشني أن موافقة الفصائل على تشكيل لجنة تكنوقراط لإدارة قطاع غزة تمثل "أقل من نصف الطريق" نحو إنجاح التجربة الجديدة في القطاع، معتبراً أن الموافقتين الأمريكية والإسرائيلية على هذه اللجنة تشكلان التحدي الأكبر أمام تنفيذها، في ظل ما وصفه بتشابك العوامل السياسية والأمنية والإدارية التي تحيط بالمشهد.
ويوضح المشني أن القضية الأهم تتعلق بـ"العلاقة بين اللجنة الإدارية المقترحة والمرجعية العليا المتمثلة بما يُعرف بـ(مجلس إدارة غزة) الذي يرأسه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وفق تصريحاته السابقة"، مشيراً إلى أن هذه العلاقة ستحدد مدى استقلالية اللجنة وقدرتها على اتخاذ قرارات حقيقية.
ويشير المشني إلى أن التحديات الأخرى لا تقل تعقيداً، وفي مقدمتها ملف إعادة الإعمار في ظل الوضع الكارثي الذي يعيشه القطاع، إضافة إلى وجود قوات دولية محتملة، وملف سحب السلاح، والتدخل الأمني الإسرائيلي، واستكمال انسحاب الاحتلال من بعض المناطق.
ويعتبر المشني أن هذه العوامل كلها مترابطة، وأن نجاح اللجنة لا يمكن فصله عن نجاح الاتفاق السياسي الأشمل الذي يجري تطبيقه على الأرض.
وبحسب المشني، فإن التجربة لا تزال في بدايتها، وإن إصدار الأحكام بشأنها يتطلب وقتاً أطول، مشدداً على أن الفلسطينيين بحاجة إلى إرادة سياسية موحدة تعكس وحدة الموقف تجاه التطورات المستقبلية.
ويؤكد أن "كل الاحتمالات واردة، لكن من المستبعد عودة حرب الإبادة بالشكل الذي كانت عليه"، ما يجعل خيار إنجاح التجربة الطريق الوحيد أمام الفلسطينيين لتجنب تدهور جديد.
ويوضح المشني أن التجربة الفلسطينية تُظهر أن صُنّاع القرار غالباً ما يلجأون إلى الخيارات الخاطئة بدافع المصالح الذاتية، مستشهداً بما يعتبره خطأ استراتيجياً في الغياب الرسمي لحركة "فتح" عن المشهد الحالي في غزة.
ويرى المشني أن هذا الغياب، إن تأكد، يعكس "إمعاناً في تهميش دور الحركة الوطني"، بعدما بدا واضحاً خلال العامين الماضيين تراجع حضورها وتأثيرها في الملفات السياسية المركزية.
ويؤكد المشني أن تراجع دور "فتح" في تحديد مستقبل غزة سيؤدي بالضرورة إلى إضعاف حضورها في المسار الوطني العام، داعياً قيادة الحركة إلى تقديم تفسير مقنع لغيابها عن واحدة من أهم المراحل السياسية التي تمر بها القضية الفلسطينية، محذراً من أن استمرار هذا النهج قد يعمّق حالة التهميش ويُضعف التمثيل الوطني الفلسطيني لها في المرحلة المقبلة.
القطاع يسير نحو تجربة إدارية جديدة
يوضح أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية د.رائد أبو بدوية أن قطاع غزة يسير نحو تجربة إدارية جديدة عبر تشكيل لجنة مستقلة من التكنوقراط تتولى إدارة الخدمات الأساسية والإغاثة وإعادة الإعمار، بدعم محتمل من قوات دولية محدودة الصلاحيات، في محاولة لمعالجة الأزمة الإنسانية وإعادة تشغيل البنية التحتية بعيداً عن الصراعات السياسية التقليدية.
ويؤكد أبو بدوية أن اللجنة المقترحة تنبع من رؤية الفصائل الميدانية ذاتها، وتشكّل استجابة عملية للفوضى الخدمية والإنسانية في القطاع، لكنها تواجه تحديات كبيرة على مستويَي الشرعية والاستقلالية، خاصة في ظل استمرار هيمنة الفصائل المسلحة على العمق الأمني.
ويشير إلى أن نجاح هذه التجربة يعتمد على قدرة اللجنة على إدارة الحياة اليومية بفعالية، مع الحفاظ على قرار مستقل لا يخضع للضغط السياسي أو العسكري.
ويبيّن أبو بدوية أن شخصيات وسطية مثل مروان البرغوثي تبرز كجسر توافقي محتمل بين الفصائل والشرعية الوطنية، نظراً لقبوله من مختلف الأطراف، في حين يمكن للتيار الإصلاحي بقيادة محمد دحلان أن يلعب دوراً محورياً في توفير المرونة السياسية والعملية اللازمة لضمان استمرارية عمل اللجنة دون عراقيل داخلية كبيرة.
ويرى أبو بدوية أن هذه الإدارة المؤقتة تظل عرضة لمخاطر جوهرية في حال غياب التوافق الوطني، إذ قد تواجه ضغوطاً دولية متزايدة وشروط تمويل صارمة، إلى جانب احتمالية تدخل الاحتلال الإسرائيلي في المعابر أو المناطق الحدودية، مما قد يحوّل اللجنة إلى واجهة شكلية دون تأثير فعلي على القرار السياسي أو الأمني.
ثلاثة سيناريوهات بشأن مستقبل اللجنة
ويطرح أبو بدوية ثلاثة سيناريوهات محتملة بشأن مستقبل هذه اللجنة: أولها النجاح الجزئي في إدارة الخدمات الأساسية بدعم إقليمي محدود وتفاهم داخلي، وثانيها النجاح الكامل مع وجود بعثة دولية محدودة الصلاحيات تشرف على المرافق الحيوية، وثالثها الفشل في حال تحوّلت اللجنة إلى أداة ضغط دولي أو أداة سيطرة إسرائيلية بفعل ضعف الشرعية الوطنية.
ويشير إلى أن التطورات الأخيرة في الملف الفلسطيني أظهرت تحولاً في خريطة التمثيل السياسي، مع غياب حركة "فتح" الرسمية عن الاجتماعات الخاصة بغزة مقابل حضور فاعل للتيار الإصلاحي وشخصيات وسطية، ما يعكس تراجع دور المرجعية التقليدية التي كانت تشكّل الغطاء الشرعي لأي ترتيبات فلسطينية داخلية.
ويؤكد أبو بدوية أن هذا الغياب الرسمي لحركة "فتح" سمح للتيار الإصلاحي والفصائل بملء الفراغ العملي، فيما تبحث القوى الإقليمية، مثل مصر ودول الخليج، عن آليات إدارة واقعية لقطاع غزة توازن بين المتطلبات الإنسانية والمصالح السياسية.
ويعتبر أبو بدوية أن هذه الديناميكية قد تقود إلى شرعنة تمثيل بديل على المستوى الميداني، يوازي الخط السياسي التقليدي دون أن يلغي الحاجة إلى توافق وطني شامل يضمن وحدة التمثيل والقرار الفلسطيني.
المشهد في القطاع قيد الفرضيات والآمال
تؤكد الكاتبة ومديرة التحرير التنفيذي في جريدة الدستور الأردنية نيفين عبد الهادي أن المشهد الفلسطيني في قطاع غزة لا يزال قيد الفرضيات والآمال، غير أن الجهود المبذولة فلسطينياً ومصرياً، وحتى من الفصائل ذاتها، تُعد "استثنائية بكل المقاييس"، لما تتسم به من تنسيق متواصل ومساعٍ وطنية واضحة تهدف إلى دعم وحدة الصف الفلسطيني وتعزيز المصلحة الوطنية العليا.
وترى أن هذه المساعي، رغم صعوبة الظروف التي يعيشها الفلسطينيون منذ عقود من الاحتلال، تُعد في ذاتها إنجازاً مهماً، مشيرة إلى أن العمل الجاري اليوم يضع الأساس لمرحلة جديدة يمكن أن تقود إلى استقرار سياسي وبناء وطني حقيقي، يقوم على السلام وحل الدولتين.
الاجتماع نفسه يعكس إرادة وطنية جامعة
وحول اجتماع الفصائل في العاصمة المصرية القاهرة، الذي قررت خلاله تشكيل إدارة مؤقتة لقطاع غزة تضم شخصيات مستقلة وبوجود قوات دولية بقرار أممي، توضح عبد الهادي أن انعقاد الاجتماع -رغم غياب حركة "فتح"- يمثل مؤشراً إيجابياً على إمكانية النجاح، معتبرة أن "الاجتماع نفسه خطوة فلسطينية خالصة تعكس إرادة وطنية جامعة".
وتؤكد عبد الهادي أن مجرد اجتماع الفصائل والتقائها عند نقطة المصلحة الوطنية ووحدة الصف يُعد إنجازاً بحد ذاته، خاصة في ظل حربٍ لم تترك للفلسطينيين ترف الاختيار أو الوقت، وفرضت عليهم السعي العاجل نحو الاستقرار والبناء.
وفي ما يتعلق بغياب حركة "فتح" وحضور التيار الإصلاحي عن الاجتماع، ترى عبد الهادي أن غياب "فتح" لا يعني ابتعادها عن الجهد الوطني، بل هو خيار استراتيجي مدروس.
وتقول: "أهل مكة أدرى بشعابها، و"فتح" هي الحركة الأم للفصائل الفلسطينية، وقد رأت أن موقفها هذا هو الأكثر صواباً بما يخدم جهود التنسيق المصرية والفلسطينية الجارية".
وتشير عبد الهادي إلى أن القيادة الفلسطينية وحركة "فتح" على تواصل دائم مع الجانب المصري، وتعملان بدور "مساعد وميسر" لإنجاح كل الجهود الهادفة إلى استقرار فلسطين ووحدتها، مشيرة إلى أن "فتح" أبقت بابها موارباً لأنها تدرك أن الأمر يتعلق بغزة أولاً، وتسخّر خبرتها السياسية والدبلوماسية لجعل الحل ممكناً وقريباً"، مؤكدة أن وحدة الصف هي المفتاح الحقيقي لأي حل عادل وشامل.
وتدعو عبد الهادي المجتمع الدولي إلى الالتزام بدعم الجهود الفلسطينية لتحقيق سلام عادل يليق بالشعب الفلسطيني ويضمن له الحياة الآمنة والمستقرة.
القاهرة من أهم الضامنين لإتمام الاتفاقية
تؤكد الأكاديمية والمحللة السياسية المصرية الدكتورة إيريني سعيد أن مصر لا تزال تقوم بدورها التاريخي والدبلوماسي المحوري في دعم القضية الفلسطينية، مشيرة إلى أن القاهرة تعد اليوم من أهم الضامنين لإتمام اتفاقية السلام التي صاغتها مع الولايات المتحدة وعدد من الأشقاء العرب.
وتوضح سعيد أن الجهود المصرية الحالية تتركز على استضافة الفصائل من أجل إعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وتوحيد الصف الوطني، بما يضمن استقرار الأوضاع الميدانية والسياسية ويدعم مسار الحلول السلمية نحو ترتيب المشهد في اليوم التالي للحرب، مؤكدة أن القاهرة تعمل على "قطع الطريق أمام الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى عرقلة أي مساعٍ نحو السلام أو إعادة الإعمار".
وتشير سعيد إلى أن بعض الفصائل ما زالت غير مدركة لحساسية اللحظة الراهنة، رغم الكارثة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني بعد عامين من الإبادة في قطاع غزة، محذّرة من أن استمرار هذا الانقسام يعرقل فرص الوصول إلى الاستقرار.
وتشدد على أن الطريق إلى استقرار غزة ممكن إذا توفرت الإرادة السياسية الفلسطينية، وتم تغليب المصلحة الوطنية ومصالح الشعب الأعزل على الخلافات الفصائلية.
وتؤكد سعيد أن غياب حركة "فتح" عن المشهد الراهن في اجتماع القاهرة قد يعكس استمرار غياب التوافق الداخلي والوعي السياسي المطلوب في هذه المرحلة الحرجة من عمر القضية الفلسطينية.
أي ترتيبات يجب أن تتم تحت مظلة الشرعية
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي محمد هواش أن أي ترتيبات سياسية أو إدارية تتعلق بقطاع غزة بعد الحرب يجب أن تتم تحت مظلة الشرعية الفلسطينية، ممثلة بالسلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارهما العنوان السياسي الوحيد المعترف به دولياً للشعب الفلسطيني، مشدداً على أن تجاوز هذه المرجعية أو التحايل عليها "يُضعف وحدة القرار الوطني ويهدد مستقبل القضية برمتها".
ويوضح هواش أن الاقتراب الأخير لحركة "حماس" من فكرة الخروج من الحكم بقرار فلسطيني يعكس محاولة لتقريب المواقف، لكن الحركة مطالبة بأن تكون أكثر وضوحاً وصراحة في مواقفها، خصوصاً فيما يتعلق بـ"خطة ترمب" وبمستقبل إدارة غزة.
ويشير هواش إلى أن "حماس" تقترب من الموقف السليم، لكنها تحتاج إلى تحديد واضح لموقعها من الشرعية الفلسطينية، لأن أي خطوة لا تستند إلى موافقة المؤسسة الرسمية ستظل منقوصة وغير قابلة للتطبيق العملي".
ويلفت هواش إلى أن الفصائل لا يمكنها أن تقرر بديلاً عن المؤسسة الشرعية، موضحاً أن هذه المؤسسة وحدها هي التي تمنح المعنى والشرعية لأي تفاهم سياسي.
ويقول هواش: "السلطة الوطنية الفلسطينية ليست طرفاً في خلافات الفصائل، بل هي المظلة التي تمنح الجميع شرعية العمل الوطني، ومن دونها لا وزن لأي بيان أو اتفاق".
ويشير هواش إلى أن بعض البيانات الفصائلية "غامضة في ما هو أهم وواضحة في ما هو ثانوي"، مؤكداً أن المطلوب هو التزام أكبر بمعايير الشرعية الوطنية والوضوح السياسي، لا إصدار مواقف جزئية تفتقر إلى المرجعية الرسمية.
وفي تعليقه على غياب حركة فتح الرسمية عن الاجتماع الأخير للفصائل في القاهرة، يوضح هواش أن فتح لا ترى جدوى من اجتماعات لا تحقق نتائج عملية أو تقدماً فعلياً في إعادة إعمار غزة، وأن "السلطة الفلسطينية هي الجهة الوحيدة المخولة بالتفاوض حول مستقبل القطاع، وليس أي فصيل بعينه".
ويشير هواش إلى أن "فتح تضرب مثالاً بأنها لا تسعى لمكاسب سياسية أو فصائلية، بل تريد ضمان مستقبل الشعب الفلسطيني وإنقاذ غزة من الكارثة التي حلت بها".
ويشدد هواش على أن "السلطة الفلسطينية لم تغب يوماً عن ملف غزة، لكنها ترفض أن تُختزل القضية في ترتيبات مؤقتة أو في لجان لا تستند إلى قرار وطني جامع"، لافتاً إلى أن بعض المحاولات الجارية تهدف إلى تغييب السلطة عن مشهد ما بعد الحرب، وهو ما يتعارض مع المصلحة الوطنية.
ويؤكد هواش أن أي لجنة مؤقتة لإدارة غزة لن تكون شرعية ما لم يصدر تشكيلها أو إقرارها عن السلطة، موضحاً أن "الذي يعطي الشرعية هو المؤسسة الرسمية، وليس الفصائل".
ويشير هواش إلى أن مصير هذه اللجنة يبقى مجهولاً ما لم تتضح نوايا حركة "حماس" ومدى استعدادها للانسجام مع الجهود الفلسطينية والعربية والدولية لإنقاذ غزة.
ويؤكد هواش أن "الشرعية الفلسطينية ليست شعاراً، بل هي الضمانة الوحيدة لاستمرار التمثيل الوطني، ولحماية مشروع الدولة من التآكل"، داعياً الفصائل كافة إلى دعم جهود السلطة الوطنية في جعل اليوم التالي في غزة "فلسطينياً خالصاً" لا حمساوياً أو فتحاوياً أو فصائلياً، بل خطوة جامعة نحو إنهاء الانقسام وبناء مستقبل سياسي موحد للشعب الفلسطيني.





