ذكاء اصطناعي أم ازدحام رقمي؟

بقلم: عبد الرحمن الخطيب: شركة أقلمة للذكاء الاصطناعي

أكتوبر 26, 2025 - 08:54
ذكاء اصطناعي أم ازدحام رقمي؟

يحدث في كل مؤتمر تقني وفي كل إعلان أو حملة تسويقية، هناك جملة تتكرّر حتى باتت شعار العصر: الذكاء الاصطناعي!

تُطرح أدوات جديدة وتطبيقات مذهلة ووعود بأننا على أعتاب زمن لا مثيل له، لكن وسط هذا الاندفاع يبرز سؤال عملي فلسفي: هل نعرف فعلا كيف ندمج هذه الأدوات الذكية مع ما نملكه من تقنيات حالية؟

كثير من المؤسسات تسارع إلى اقتناء الجديد، وكأن الذكاء الاصطناعي مصباح علاء الدين لحل كل المشكلات. تُنفق الأموال وتُعقد الاجتماعات وتُضاف “منصات ذكية” إلى البنية التحتية، دون التفكير في مدى جاهزية الأنظمة القديمة لاستقبالها.

و النتيجة؟ خليط من الأدوات التي لا تتواصل معا، وبيئة عمل رقمية برّاقة لكنها مشوشة.

ابدأ بما لديك

قبل أن تُضيف أي نظام جديد، اسأل نفسك: ماذا أملك الآن؟ ما الذي يعمل جيدا؟ وما الذي يحتاج إلى تطوير؟ مالذي نحتفظ به وم الذي نلغيه؟

كثير من الشركات تكتشف أن أنظمتها الحالية تحتوي بالفعل على قدرات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، لكنها لم تُفعَّل أو لم يُستفد منها بعد، وتحديدا السحابية منها، مراجعة الأدوات والعقود والخدمات القائمة هي الخطوة الأولى نحو تكامل ذكي، لا نحو ازدحام رقمي.

افهم بياناتك قبل أن تطلب من الذكاء الاصطناعي أن يفهمك

لا يعمل الذكاء الاصطناعي في الفراغ ولا يشتغل به، فهو يحتاج إلى بيانات منظمة ونظيفة ومتصلة، فإذا لم تكن تعرف كيف تتدفق المعلومات داخل مؤسستك، فلن تعرف من أين تبدأ عملية الدمج أو حتى الاحلال بأنظمة أكثر كفاءة.

ارسم خريطة لرحلة بياناتك: من أين تبدأ، وكيف تُعالَج، وأين تنتهي. بهذه الخطوة البسيطة، ستعرف تماماً أين يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصنع الفرق الحقيقي.

لا تنخدع بـ"الأداة اللامعة"

تطل علينا الشركات بشكل دوري أسبوع بأداة جديدة تعدنا بالحل النهائي، لكن ما تحتاجه المؤسسات فعلا ليس المزيد من الأدوات، بل تناغم الأدوات وتواصلها، الذكاء الاصطناعي لا يُقاس بعدد المنصات، بل بمدى انسجامها مع بيئتك الحالية.

فكر في الأمر كأوركسترا لا كمعرض أدوات موسيقية: الأجمل ليس من يعزف بصوت أعلى، بل من يعزف بانسجام.

ادمج التقنية… وادمج الناس

تكامل الذكاء الاصطناعي ليس تقنياً فقط، بل ثقافي بالمفهوم المؤسسي، فالتغيير يُثير القلق عند بعض العاملين، فلذلك من الضروري أن يشعر الجميع أن الذكاء الاصطناعي جاء ليُساعدهم، لا ليحل محلهم.

التحول الناجح يبدأ بالتدريب، والحوار، والشفافية، وعندما يدرك الفريق أن الأداة الجديدة تُخفف عنهم العبء لا تزيده، يبدأ النجاح الحقيقي.

خطوات عملية للدمج الذكي

راجع أنظمتك الحالية: قد تجد ما يغنيك عن الشراء الجديد.

ارسم خريطة تدفق بيانات واضحة: لتعرف أين يمكن أن يتدخل الذكاء الاصطناعي.

استكشف التكاملات المتاحة: كثير من الأدوات تدعم الذكاء الاصطناعي دون تكلفة إضافية.

اختبر تدريجيا: جرّب على نطاق ضيق قبل التوسع.

ضع مقاييس واضحة: ما الذي تريد تحسينه؟ الوقت؟ الكفاءة؟ التكلفة؟

أدِر التغيير بذكاء: التكنولوجيا وحدها لا تصنع الفرق، الناس هم من يصنعونه.

تابع الأداء باستمرار: فالمتابعة بعد التنفيذ لا تقل أهمية عن الإطلاق.

حافظ على الإشراف البشري: فالذكاء الاصطناعي أداة مساعدة لا بديل عن القرار الإنساني.

أخيرا: لا تركض خلف اللامع

في عالم التقنية، اللمعان لا يعني القيمة، لا تبحث عن "الأداة المثالية"، فهي ببساطة غير موجودة، ابحث عن الانسجام وعن النظام الذي يعمل بذكاء وبساطة ابحث عن الاستفادة القصوى مما تملكه بالفعل.

فالذكاء الحقيقي لا يكمن في شراء أحدث منتج، بل في حُسن استخدام ما بين يديك.