فـلـسـطـيـن تـنـتـصـر

سبتمبر 23, 2025 - 10:10
فـلـسـطـيـن تـنـتـصـر

يمكن القول باختصار، إن فلسطين أخيرا تنتصر، وذلك بعد عقود طويلة، من الظلم التاريخي الذي وقع عليها وعلى شعبها، ليس فقط نتيجة إقامة دولة إسرائيل بدلا منها، أو على أنقاضها، وليس بسبب قتل عشرات الآلاف من شعبها العام 48، وتهجير مئات الآلاف من وطنهم وحسب، ولكن نتيجة عدم إقامة دولة فلسطين، إلى جوار دولة إسرائيل، وفق قرار التقسيم، لا في العام 48، ولا في كل الفترة التي تلته، بما أبقى على نار الصراع مشتعلة، وكان ذلك سببا في اندلاع عدة حروب خلال العقود الماضية، وأخيرا، ونأمل أن يكون آخرا، حرب الإبادة الإسرائيلية الحالية، التي لم يشهد العالم لها مثيلا، منذ الحرب العالمية الثانية، وراح ضحيتها حتى الآن أكثر من 10% من سكان قطاع غزة، والتي أظهرت المدى غير المسبوق لتوحش إسرائيل بحكومتها اليمينية المتطرفة، وجيشها وأجهزة أمنها، الذين اظهروا عداءهم لكل دول وشعوب الجوار، وتجرؤوا على الإعلان بوضوح وصراحة عن هدفهم المتمثل في تغيير الشرق الأوسط بإقامة دولة إسرائيل الكبرى، ما بين نهري الفرات والنيل، وتضم ثلاث دول كاملة، هي فلسطين، الأردن ولبنان، وأجزاء تصل إلى نصف سورية، العراق، السعودية ومصر.

وانتصار فلسطين المتمثل بتدافع دول الغرب، التي ظلت حتى الأمس منحازة لإسرائيل، تدعهما بكل وسائل القوة والثبات، نحو الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة، له دلالات حاسمة، ستغير فعلا من وجه وجوهر الشرق الأوسط، لكن بالطبع ليس وفق ما تمناه اليمين المتطرف العدواني الإسرائيلي، بل لصالح شرق أوسط مستقر وآمن، بعد أن أدرك الإقليم والعالم، بأن عدم وجود فلسطين على خارطة الدول المستقلة، كان سببا في اندلاع كل تلك الحروب، فإن قيامها سيكون سببا في عكس ذلك تماما، أي في تحقيق الأمن والسلام في المنطقة التي تتوسط العالم، والتي تعتبر حيوية ومهمة جدا خاصة للغرب الأوروبي الذي يحتاج طاقة الشرق الأوسط من النفط والغاز، وطرق تجارته العالمية، مضيق هرمز، باب المندب، وقناة السويس.

أن تعلن بريطانيا اعترافها بدولة فلسطين، مع كل من كندا واستراليا والبرتغال، يعتبر حدثا مدويا، كما انه يدل على تغيرات سياسية دولية مهمة للغاية، فيما يخص اصطفافات الدول بما يخص الصراع الكوني حول طبيعة النظام العالمي، فبريطانيا إضافة إلى دورها في إقامة دولة إسرائيل، منذ وعد بلفور، وفيما تلاه من ثلاثة عقود سهلت خلالها بوصفها دولة الانتداب على فلسطين الهجرة اليهودية، ومن ثم ساعدت في إنشاء الجيش الإسرائيلي، حيث شجعت قيام المجموعات اليهودية المسلحة (الهاغاناه وشتيرن والأرغون) ما زالت دولة عظمى اقتصاديا وعسكريا، وهي عضو دائم في مجلس الأمن، وأهم دلالة إعلانها الاعتراف بدولة فلسطين، هو انحيازها لفرنسا، فيما يبذله رئيسها الشجاع إيمانويل ماكرون من جهد لتنفيذ حل الدولتين منذ وقت، بعد أن كانت بريطانيا، حصان طروادة أميركيا في قلب أوروبا، لدرجة أن أميركا شجعتها قبل سنوات قليلة للخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو القائم على الثنائي الفرنسي/الألماني، حتى لا يخرج من جيب التبعية الأميركية ويتحول لقطب دولي آخر.