تعلّموا برمجة..

سبتمبر 7, 2025 - 09:34
تعلّموا برمجة..

عبد الرحمن الخطيب

تعلموا برمجة، فالعصر الحالي لم يعد يقبل بالمتفرج على الأحداث، بل يطلب من كل فرد أن يكون مشاركا وصانعا، تعلموا برمجة لأن اللغة التي تتحكم في الأجهزة من حولكم لم تعد رفاهية بل ضرورة، فهي التي تفتح لكم أبواب المعرفة والازدهار وتمنحكم قدرة على الفهم أعمق مما يراه غيركم.

اكتشفوا أن البرمجة ليست مجرد أكواد تُكتب على شاشة، بل هي طريقة جديدة للتفكير، وأسلوب مختلف لمواجهة المشكلات اليومية. حين تبرمجون، أنتم لا تكتبون أوامر للحاسوب فقط، بل تعيدون تدريب عقولكم على التنظيم، والتحليل، والبحث عن الحلول بأكثر من طريق. البرمجة تعلمكم أن لا طريق واحد للصواب، بل مسارات متعددة، وأن اختياركم هو الذي يحدد النجاح.

واجهوا حياتكم بالبرمجة كما تواجهون معادلة رياضية تحتاج إلى تفكيك وترتيب. حين تتعلمون كيف تضعون مشكلة كبيرة في صورة خطوات صغيرة، وحين تدركون أن الحل يأتي بالتجربة والخطأ، ستصبح حياتكم أكثر وضوحا. البرمجة تدربكم على الصبر، وتمنحكم عادة مراجعة أنفسكم، فلا عيب أن تفشلوا مرة أو مرات، المهم أن تستمروا حتى تصلوا إلى النتيجة الصحيحة.

استثمروا وقتكم في البرمجة لأنها صارت من أهم مفاتيح العمل في القرن الواحد والعشرين. لم تعد الشركات تبحث عن موظف يؤدي ما يُطلب منه فقط، بل عن عقل قادر على التفكير النقدي والإبداعي. والبرمجة تمنحكم هذه القدرة. بل إن سوق العمل اليوم يكافئ من يتقن لغة برمجية كما يكافئ من يتقن لغة أجنبية، لأن كل منهما يفتح بابًا جديدًا للتواصل والتأثير.

تعلموا برمجة حتى لو لم تكن نيتكم أن تصبحوا مبرمجين محترفين. أنتم لستم بحاجة إلى أن تعملوا في شركات البرمجيات حتى تستفيدوا منها. يكفي أن تمتلكوا القدرة على بناء أداة صغيرة تساعدكم في عملكم اليومي، أو أن تطوروا تطبيقًا بسيطًا يلبي حاجتكم الخاصة. قد تكونون معلمين، أو أطباء، أو تجارًا، أو طلابًا؛ وفي كل مجال ستجدون أن البرمجة تمنحكم ميزة تنافسية لا يمكن تجاهلها.

اصنعوا لأنفسكم أفقًا أوسع بفضل البرمجة. حين تبدأون كتابة أكوادكم الأولى، ستشعرون أنكم تتحكمون في آلة ضخمة بحروف بسيطة. هذا الإحساس بالقدرة ينتقل إلى حياتكم اليومية: فبدل أن تقفوا عاجزين أمام المشاكل، ستتدربون على تفكيكها، وتجريب حلول مختلفة، والتفكير بطرق لم تخطر ببالكم من قبل. إنها مهارة حياتية بامتياز، وليست مجرد تقنية.

غيّروا نظرتكم إلى البرمجة، ولا تحصروها في صورة "مهنة تقنية". البرمجة أشبه بلغة إبداعية جديدة، يمكن أن تكتب بها فكرة، أو تبني بها مشروعًا، أو تقدم بها خدمة لمجتمعك. تمامًا كما أن الشعراء يكتبون أبياتهم ليغيروا وجدان الناس، يمكن للمبرمج أن يكتب سطرًا يغير حياة الآلاف. أليست هذه رسالة تستحق أن نتعلم لأجلها؟

اقرأوا قصص المبرمجين الشباب حول العالم لتعرفوا أن العمر ليس عائقًا. هناك أطفال لم يتجاوزوا العاشرة ابتكروا تطبيقات يستخدمها الملايين، وهناك كبار تجاوزوا الخمسين بدأوا رحلتهم مع البرمجة فغيرت مسارهم. البرمجة لا تسأل عن عمرك، بل عن حماسك واستعدادك للتعلم.

اجعلوا من تعلم البرمجة رحلة ممتعة لا واجبًا ثقيلًا. لا تفكروا في البداية بالكمال، ولا تشغلوا أنفسكم بتعلم كل شيء دفعة واحدة. البرمجة مثل الرياضة، تحتاج إلى تدريب يومي صغير لكنه مستمر. وكلما كتبتم سطرًا جديدًا من التعليمات وفهمتم نتيجته، ستزداد ثقتكم بأنفسكم، وستتذوقون متعة الإنجاز.

استعينوا بالموارد المتاحة لكم. في زمن الإنترنت، لم تعد البرمجة حكرًا على الجامعات أو الشركات. هناك آلاف الدروس المجانية، والدورات التفاعلية، والمجتمعات التي ترحب بالمبتدئين. أنتم اليوم لا تحتاجون سوى اتصال بالشبكة، وحاسوب بسيط، وإرادة جادة. ومن هنا تبدأون رحلتكم.

استفيدوا من البرمجة في حياتكم العادية. نظموا ميزانيتكم ببرنامج صغير تكتبونه بأنفسكم، أو ابنوا موقعا شخصيا يعرض أعمالكم، أو صمموا لعبة بسيطة تدخل البهجة على أصدقائكم. هذه التطبيقات الصغيرة ليست مجرد تدريب، بل هي دليل على أن البرمجة قادرة على أن تجعل حياتكم اليومية أكثر سهولة ومتعة.

تذكروا أن البرمجة ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لتطوير الذات. الهدف الأكبر أن تتحول عقولكم إلى عقول محللة، خلاقة، قادرة على تحويل التعقيد إلى بساطة. البرمجة تجعلكم تنظرون إلى المشاكل كفرص، وإلى الفشل كتجربة، وإلى النجاح كخطوة نحو تحدٍ جديد.

اختموا رحلتكم اليومية مع البرمجة بتأمل بسيط: ماذا تعلمتم اليوم عن أنفسكم من خلال سطور الكود؟ ستكتشفون أنكم لم تتعلموا فقط كيف تعطون أوامر للحاسوب، بل كيف تعطون أوامر لعقولكم بأن تفكر بترتيب، وتعمل بصبر، وتبدع بجرأة.

ابدأوا اليوم، ولا تؤجلوا. العالم يتغير بسرعة، ومن لا يلحق بركب التقنية سيبقى متفرجًا على غيره وهو يصنع المستقبل. تعلموا برمجة، فربما يكون هذا القرار البسيط هو الذي يفتح أمامكم افاقا جديدة في العمل، وفي التعلم، وفي الحياة كلها.