تكدّس رقمي أم ثورة محتوى؟ قراءة في مرحلة ما بعد الذكاء الاصطناعي التوليدي

صدقي أبو ضهير :باحث ومستشار بالإعلام والتسويق الرقمي

سبتمبر 7, 2025 - 09:36
تكدّس رقمي أم ثورة محتوى؟ قراءة في مرحلة ما بعد الذكاء الاصطناعي التوليدي

صدقي أبو ضهير :باحث ومستشار بالإعلام والتسويق الرقمي

منذ 30 نوفمبر 2022، تاريخ انطلاق ثورة ChatGPT وأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، يشهد العالم مرحلة يمكن وصفها بـ"التكدّس الرقمي". صور، فيديوهات، نصوص، وأصوات منخفضة الجودة تغمر فضاء الإنترنت، حتى باتت تشكّل ما يشبه ضجيجاً رقمياً يغطّي على المحتوى الأصيل الذي كان يملأ الشبكة قبل هذه النقلة التقنية.

المفارقة أن هذه الطفرة في الأدوات التي وُجدت لتحسين الإبداع والإنتاجية، ولّدت في الوقت ذاته موجة عكسية من المحتوى الرديء، إذ أصبح بإمكان أي مستخدم إنتاج عشرات المواد خلال دقائق، دون أن تكون هناك بالضرورة قيمة معرفية أو جمالية حقيقية. وكلما تأخر نضج هذه الأدوات في التصفية والتحسين والفلترة، ستظل كرة الثلج تكبر، ويستمر تراكم هذا المحتوى المنخفض الجودة.

فجوة الثقة في المحتوى اليوم، نجد أنفسنا أمام مفارقة خطيرة:

•   من جهة، هناك سرعة في إنتاج محتوى كمي غير مسبوق.

•   ومن جهة أخرى، هناك تراجع واضح في جودة المحتوى، مما يجعل الثقة بالمصادر الرقمية محل تساؤل كبير، سواء عند الباحثين، صناع القرار، أو حتى المستخدم العادي.

السؤال الجوهري هنا: كم من الوقت سنحتاج لنتخطى هذه المرحلة ونعود إلى فضاء رقمي أكثر موثوقية؟

ثلاثة عوامل تحدد المستقبل والإجابة ليست قصيرة، بل ترتبط بثلاثة مسارات رئيسية:

1. تطور أدوات الفلترة:

الذكاء الاصطناعي ذاته يجب أن يقطع شوطاً في التمييز بين الغث والسمين، ليصبح قادراً على إبراز المحتوى الجيد وإخفاء الضجيج.

2. وعي المستخدمين:

الجمهور يحتاج إلى تعلم مهارات تقييم المحتوى وفرزه، بدلاً من استهلاكه بشكل عشوائي.

3. تدخل المنصات الكبرى:

شركات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل وميتا ويوتيوب تتحمل مسؤولية بناء آليات صارمة للجودة، من خلال تحديثات الخوارزميات وتشديد سياسات النشر.

مرحلة انتقالية قد تطول

وفقاً لتوقعات عدد من الباحثين في الإعلام والذكاء الاصطناعي، فإننا نعيش اليوم مرحلة انتقالية مليئة بالتشويش الرقمي، قد تمتد بين سنتين إلى أربع سنوات قبل أن نصل إلى معادلة متوازنة بين الكم والنوع. وحتى يحين ذلك، ستبقى الإنترنت مزدحمة بكمّ هائل من البيانات، حيث يصبح التحدي الأكبر هو كيف نثق بما نقرأ ونشاهد ونسمع.

ما نشهده اليوم ليس مجرد ازدحام محتوى، بل تحول جذري في بنية الإنترنت نفسها. إن نجاح المرحلة المقبلة يعتمد على نضج أدوات الذكاء الاصطناعي، وتطور وعي المستخدمين، والتزامات المنصات الرقمية. وحتى ذلك الحين، سيبقى "التكدّس الرقمي" أحد أبرز ملامح عصر ما بعد ChatGPT.