الألعاب العالمية للروبوتات وعالم جديد يتشكل

سبتمبر 1, 2025 - 17:55
الألعاب العالمية للروبوتات وعالم جديد يتشكل

حين سقط الروبوت وقف التصفيق

خلال الأيام الماضية تابعنا مشهدا لا يخلو من الرمزية، حين أطلقت بكين الدورة الافتتاحية لما أُطلق عليه "الألعاب العالمية للروبوتات الشبيهة بالبشر". ثلاثة أيام متخمة بالسباقات والمباريات، حيث اصطف 280 فريقًا من 16 دولة ليتنافسوا على حلبة تتأرجح بين الرياضة والتكنولوجيا، بين الخيال العلمي والواقع الذي بدأ يتجسد. لم تعد كرة القدم شأنا بشريا خالصا، ولم يعد سباق الـ1500 متر حكرا على الأجساد التي تصنعها الطبيعة، بل دخلت الهياكل المعدنية والسيليكونية لتتعثر، تنهض، وتعيد تعريف معنى المنافسة.

من ألمانيا إلى البرازيل، ومن الولايات المتحدة إلى الجامعات الصينية، توزعت الفرق المشاركة بين 192 فريقا اكاديميا و88 فريقا يمثلون شركات خاصة، مثل "يونيتري" و"فورييه إنتليجينس". وحتى شركات ناشئة مثل "بوستر روبوتيكس" وضعت بصمتها عبر آلات لم تصمد طويلا أمام الاصطدامات والسقوط. لكن المفارقة أن الجمهور لم يسخر من تلك الانهيارات، بل صفق حين تمكن روبوت من النهوض وحده بعد تعثر، كأننا نحتفي بأول علامات الوعي وهو يتشكل في جسد حديدي بارد.

على أرضية الصالة الوطنية للتزلج السريع في بكين، تحول سباق الجري إلى مشهد درامي: روبوت يندفع بكامل طاقته ثم ينهار فجأة وسط الطريق. أما كرة القدم فكانت أشبه بملهاة سوداء، حيث أربعة روبوتات اصطدمت لتسقط فوق بعضها البعض كدمى خشبية، قبل أن يتدخل البشر لإعادتها إلى وضعها القائم. المشهد بدا كأنه تذكير صريح بأن الذكاء الاصطناعي لا يكتمل دون جسد قادر على التوازن، وأن الطريق بين الشيفرة الرياضية والركبة الميكانيكية ما زال طويلا.

لكن القيمة الأعمق لهذه الألعاب لم تكن في الأهداف المسجلة ولا في ترتيب الفائزين، بل في البيانات التي تولدت من الفشل أكثر مما تولدت من النجاح. كل سقوط كان مختبرا مفتوحا، وكل اصطدام كان تدريبا على تنسيق الحركة والتعاون، وهي مهارات إذا ما اكتملت، ستجد طريقها إلى خطوط الإنتاج، إلى المصانع التي تحتاج أيادي لا تكلّ ولا تشيخ.

الصين التي تستثمر مليارات الدولارات في هذا المجال، تدرك أن السباق لم يعد رياضيا، بل استراتيجيا . فبين هاجز الشيخوخة من جهة، ومنافسة الولايات المتحدة على الريادة التكنولوجية من جهة أخرى، تحاول بكين أن تجعل من الروبوتات الشبيهة بالبشر قوة عاملة مستقبلية، لا مجرد استعراض في صالة رياضية. إنها رسالة سياسية بقدر ما هي تكنولوجية: "نحن نبني الإنسان الثاني".

وإذا أمعنا النظر في أبعاد هذه التجربة، نجد أن بكين لم تكتفِ بعرض التقنيات، بل صنعت منصة لاختبار حدود العلاقة بين البشر والآلة. حين يدفع أحد الروبوتات خصمه في كرة القدم فيسقط، وحين تنهار مجموعة وسط السباق ثم يعيدها البشر إلى خط الجري، نحن نرى بروفة صغيرة لعالمٍ قادم، حيث يتشارك الإنسان مع الذكاء الاصطناعي المساحات نفسها، ويقيس حدود المسؤولية بين الطرفين. من الذي يساعد من؟ ومن الذي يتعلم من الآخر؟ تلك الأسئلة التي تخبئها الملاعب اليوم قد تُطرح غدًا في المصانع، في المستشفيات، وحتى في شوارع المدن الذكية.

ومع ذلك، كان أجمل ما في الألعاب ذلك التصفيق الذي دوّى حين وقف الروبوت وحده بعد سقوطه. في لحظة كهذه يتداخل سؤال الفلسفة مع سؤال التقنية: هل نصفق لأننا نرى في الآلة انعكاسا لعنادنا البشري؟ أم لأننا نخشى أن يكون هذا النهوض هو الإعلان الأول عن بداية زمن تتعلم فيه الالة أن ينهض دون يدٍ بشرية؟