الأموات يُحرّرون الأحياء
عيسى قراقع

الأموات يُحرّرون الأحياء
عيسى قراقع
لم يعودوا بيننا،
لكنّهم أكثر حضورًا منّا.
ممدّدون تحت التراب،
لكنّهم يقفون في ضمائرنا،
كأعمدة نورٍ وسط عتمة الأرض.
في غزة،
حين تُقصف البيوت وتُبتلع العائلات دفعة واحدة،
يتحوّل الموت من نهايةٍ إلى إعلان.
صرخةٌ لا بالكلمات،
بل بالجسد المفتّت،
بالأسماء المنسية على جدران المستشفيات،
بالألعاب المحترقة تحت الأنقاض.
في كل شهيد...
حياةٌ تبدأ من جديد،
لا جسدًا، بل فكرة.
لا صوتًا، بل سؤالًا:
"مَن يُقرر مَن يعيش؟ ومَن يُمحى؟"
الأموات لا يحتلون الشوارع،
لكنّهم يحرّرونها من الخوف.
كلّما مات طفل،
استفاق العالم قليلاً،
ثم عاد للنوم.
لكن في عيون أمّه، لم ينم شيء.
في جرحها وعيٌ لا يهدأ.
الأحياء محاصرون بالجدران والأسلاك والتقارير الدولية،
أما الأموات، فحرّيتهم كاملة:
يعبرون الزمان،
يصفعون وجه الصمت،
ويشعلون أسئلة لا تُطفأ.
إنهم لا يطلبون ثأرًا،
بل اعترافًا.
لا يبحثون عن تماثيل،
بل عن ذاكرة صادقة.
لا ينادون بالبكاء،
بل بالفعل.
في كل جثة يُنتشلُ رمادُها من تحت المباني،
يُنتشل أيضًا شرف العالم.
نُنتشل نحن من غيبوبتنا.
ونفهم – متأخرين –
أن الحرية لا تبدأ من المفاوضات،
بل من الخنادق
من صرخة تُقال، لا تُؤجَّل.
غزة لا تموت،
بل تمتحن الحياة فينا.
وفي كل جنازة،
يوارى وهمُنا القديم:
أن الأحياء فقط هم من يغيّرون العالم.
لا.
الأموات هم من يحرّرون الأحياء.