العلاج بالروحانيات..!

أ. د. أفنان نظير دروزة
نحن نعيش في زمن صعب، زمن يعج بالمصائب والفتن والحروب، زمن يعج بزهق الأرواح وهدم الصوامع والبيوت. عصر يكثر فيه القتل والجروح، ويزداد فيه الأرامل واليتامى والأمراض والأوبئة والجوع، ومن الطبيعي أن تزداد مع هذه المآسي والمتاعب، والنكبات والكوارث معاناة الناس وأمراضهم النفسية والجسمية؛ ما يجعل الواحد يقف أمامها حائراً عاجزاً متسائلاً: ماذا عليّ أن أفعل؟ وماذا علي أن أقول؟! لقد مضى وقت طويل وأنا أتناول العلاج المطلوب، ولم أبرأ من مرضي، وآخذ الدواء الموصوف ولم أُشفَ من علّتي، وتلقيت كثيراً من الجلسات النفسية دون أن تخلصني من ضيقي وقلقي! فما العمل وما الحل؟
ونحن نقول لكل من يعاني من مرض نفسي أو جسمي، لا تيأس ولا تحزن، فلكل داء دواء، ولكل علّة وسيلة وشفاء. ولعل أول الخطوات التي عليك اتباعها هي العدول عن الدواء إلى الغذاء إن كان مرضك جسمياً، وأن تتحول من تناول الحبوب والعقاقير إلى الروحانيات إن كان مرضك نفسياً؛ إذ إن العلاج بالروحانيات هو الدواء الحقيقي لكل الأمراض النفسية والجسمية تقريباً؛ وما كل ذلك إلا لأن الروح هي الطاقة الأزلية القادرة على الشفاء، والعقاقير هي الطاقة المادية التي لا تجدي نفعاً إن لم تقترن بالروح والإيمان.
ومن وسائل العلاج بالروحانيات، الإصغاء للموسيقى، وذلك لما تحدثه من ذبذبات مريحة في النفس تساعدها على تخليصها من التوتر، وتعيدها إلى سيرتها الأولى من الراحة والانسياب. وهناك العلاج بالرسم والألوان، إذ إن كليهما يفتّح طاقات الفن والجمال الكامنة في الروح، ما ينعش الصدر ويحيي الفؤاد. وهناك العلاج بالكتابة والقراءة والتي بهما تفرغ الطاقة السلبية وتستبدل بطاقة إيجابية تنقل الفرد فكر التلوث إلى عوالم عليا سماوية. ومن العلاج أيضاً، وهو الأهم، التوجه لرب العالمين بالصلاة والصوم وسائر العبادات، حيث إن فيها صفاء الروح وارتقاء النفس ما يخلصها من الشوائب الحيوانية والنزعات الشيطانية. وكذلك هناك العلاج بالارتماء في أحضان الطبيعة من سهول وبحار، وجداول وأنهار، وجبال وشمس وقمر، تنسي الفرد همومه وتغسل نفسه من شوائب الفكر وأدران الجسد، فتجعله يعيش في عوالم كلها رفعة وصفاء ونقاء.
وبناء على ذلك، يمكن القول إن الفكرة الإيجابية علاج، وإصغاءك لهمس الطبيعة علاج، وعزفك على آلة موسيقة علاج، وسطرك لمؤلف أو مقال علاج، وسياحتك في عالم أديب وديوان شاعر علاج، وحضورك لندوة ثقافية أو مسرحية علاج، كما أن استرخاءك على شط بحر أو ضفة نهر علاج، واغتسالك بالماء البارد علاج، وتفيؤك تحت ظل شجرة خضراء علاج، وإصغاءك لحفيف الأشجار علاج، وعملك الخير ومساعدة الناس علاج. فالعلاج بالروحانيات أشد وأقوى أثراً من العلاج بالكيماويات، بل هي العلاج الحقيقي لكل أمراضك النفسية والجسمية.
من هنا، نستطيع أن ندرك كيف استطاع المسيح بن مريم أن يشفي المرضى بقوة الروح والإيمان، وكيف أن النار التي ألقي فيها سيدنا الخليل إبراهيم تحولت إلى برد وسلام، وكيف شقّ الله البحر لسيدنا موسى عليه السلام، وكيف ارتقى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات السبع وانشق له القمر، وكيف شفي سيدنا أيوب من مرضه، وكيف صفت روح النبي داود بأناشيده التي عرفت بمزامير داوود، وكيف أنقذ الله سيدنا يوسف من الجبّ، وكيف خرج سيدنا يونس من بطن الحوت، وكيف تفجرت المياه لستنا هيجر في الصحراء... والأمثلة التي تدل على قوة الروح في الشفاء والخلق والمعجزات والابتكار والإبداع كثيرة. وما كل ذلك إلا لأن الشفاء بالروح أقوى وأدوم من الشفاء بالدواء المصنعّ والعقاقير، وأقدر على تنفيس الكرب وإزالة الهموم والخروج من الظلمات إلى النور، وما كل ذلك إلا لأن التعامل مع الروح وذبذباتها أقوى من التعامل مع الخلية المادية وضعفها. وهذا ما يفسر قول المسيح عندما جاءت إليه امرأة مريضة تطلب منه أن يشفيها، فنظر في عينيها نظرة عميقة تشع منها طاقة روحية قوية، ثم دفعها بعيداً عنه وهو يقول: شفيت يا امرأة بإيمانك.
لذا، فالعلاج بالروحانيات هو الأساس في شفاء النفس والروح قبل شفاء الجسد، لأن الأمراض في حقيقتها ما هي إلا أمراض نفسية قبل أن تكون أمراضاً جسمية، خاصة إذا رافقها النية على الشفاء، والصبر على الداء، والإيمان المطلق بأن الله هو وحده القادر أن يبدل الحال لأحسن حال.
وبناء على هذه المعطيات نعود فنقول، الفكرة الإيجابية علاج، والإيمان القوي بالله والتوجه إليه بالصلاة والدعاء علاج، والرسم بالألوان علاج، والمغنى والرقص علاج، والارتماء في أحضان الطبيعة علاج، والإصغاء للموسيقى علاج، والكلمة الطيبة علاج، والعمل الخير علاج، والأفكار الوردية علاج، والعقل النيّر علاج، والاتجاهات الإيجابية علاج، والمشاعر الحلوة علاج، والنية الصادقة علاج، وعدم اليأس أو الاستسلام علاج؛ بل إن كل ما يريح النفس ويخلصها من انزعاجها ومشاعرها السلبية المحبطة علاج. من هنا نصح الفلاسفة الحكماء المرضى بأن يعدلوا عن الدواء إلى الغذاء، وأن يتحولوا من التعامل مع الطاقة المادية إلى العلاج بالطاقة الروحية، لأن الروح هي الأقوى والأبقى والأقدر على الشفاء من جميع الأمراض النفسية والجسمية.. سلّمكم الله.