إلى حبيبتي في جباليا

إلى حبيبتي في جباليا
عيسى قراقع
يا بحر غزة،
يا مرآة الزرقة المتعبة،
يا جدار الصراخ الأزرق،
غزة تغرق،
وهي هناك… في جباليا،
تحتمي بصبرها،
بأحلامٍ صغيرةٍ خبّأتها تحت الوسادة،
باسم حبيبٍ ما زال ينتظرها على ضفة الخوف.
غزة تغرق،
والسماء تمطر موتًا لا يفرّق بين بيتٍ ومأذنة،
بين طفلٍ وابتسامة،
بين قلبٍ وعصفور.
وأنا هنا،
أعدّ أنفاسي،
وأتتبع الأخبار كما يتتبع العاشق ظلّ حبيبته في الزحام.
أين أنتِ؟
هل قُتلتِ؟
هل جُوّعتِ؟
هل نزحتِ إلى جنوبٍ أكثر ظلمة؟
هل تحت الركام،
أم فوقه تبحثين عن شربة ماء؟
أخاف...
أنكِ الآن في زنزانة باردة،
يُساء إليكِ كما يُساء لكل نساء غزة.
أخاف أن يد تجرّكِ من معصمكِ،
أن يُسحب حجابكِ،
أن تُضربين لأنكِ قلتِ "أنا بريئة".
ولا أحد يسمعكِ،
إلا الله…
ووجعي.
يا من كنتِ تهمسين لي حبًا،
هل ما زال صوتكِ سالمًا؟
أم كسروه؟
هل ما زال وجهكِ كما كان،
أم طبعت عليه الحرب ختمها؟
رأيتكِ في كل صورة،
في كل طفلة تبكي،
في كل امرأة تمشي بلا ظلّ،
في كل شابةٍ ملفوفةٍ بالبطانية،
قلت: هذه هي.
ثم خفتُ أن أكون صدّقت حلمًا… أو كابوسًا.
يا بحر غزة،
أين موجك الذي يحمل النداءات؟
أين عصا موسى؟
أين سفينة نوح؟
أين يسوع،
ليمشي فوق الماء
ويطرق باب المخيم؟
كل شيء مات إلا انتظارك.
كل الأبواب أُغلقت،
إلا الباب المفتوح في صدري عليكِ.
يا زهرتي،
يا قنديلي في هذا الظلام،
إن عدتِ،
سأكتب اسمكِ على جبين الليل.
وسأزرع نخلة في قلب المخيم
تثمر رغم الحصار.
وإن لم تعودي…
فسأحبك كما يُحبّ الشهداء الحياة التي لم يعيشوها،
وسأقول للعالم:
كانت هنا حبيبة،
من جباليا،
حبّت…
وصمدت…
ورحلت واقفة.