وأن سعيه سوف يرى

يوليو 14, 2025 - 08:25
وأن سعيه سوف يرى

نعتقد أن المكانة ذات السلطة والنفوذ هي الطريق المختصر للمال الكثير والتقدير وحتى خشية الناس، لهذا يدأب بعضنا لمناصب تكون غالباً أكبر بكثير من قدراته ولن يقدر عليها مهما طالت سنين خدمته فالخبرة بالغناء ليست كالموهوب بالغناء وطبق على جميع ما تعرفه من مهن او مهمات سترى هذا المعيار هو المنفرد في معالجة هكذا أحجية يختلف فيها الكثير.

من الطبيعي أن صاحب المصلحة المشتركة سيعترض على حكمك كأن تقول أن أداء الممثل فلان ليس جيداً فأول من سيعترض هو المنتج لأن إيراداته ستنخفض وإحتمال عدم نجاح الفيلم او المسلسل وارد والخسارة حتمية، فالمعترض هنا شخص لم تذكر إسمه ولم تعطي رأيك به ولكنه إعترض لأن مصلحته مرتبطة بالممثل وهكذا عالم السياسة والإدارة.

الإنسان بطبيعته مفطور على حب المال والرفاهية وإستدامة النعم، سمعنا قصصاً كثيرة عن قضايا جنائية كالقتل بسبب المال والميراث والنساء والسلطة والسبب الوحيد المستتر خلف هذه الجرائم هي الشهوة! 

الله الخالق البارئ البديع، ابدع في خلقنا كثيري الغرائز وكرمنا عن الخلق بالإدارك والقدرة على الإختيار، وأمرنا أن لا نعدوا بغرائزنا لتصبح شهوات تقودنا إلى عصيانه وغضبه وإلى التهلكة.

من المستحيل أن تنجح مؤسسة يديرها شخص غير كفوء ولن تنجح مخططاتها ولن تصل إلى أهدافها لماذا؟ لأن رأس العمل غير قادر على الوصول إلى الهدف إما بسبب عدم تنظيمه او عدم قدرته على إصلاح الأخطاء وإدارة المخاطر وإستشراف المستقبل المؤثر على المشروع، هذا في حال كانت الكفاءة مشكلته فقط، أما إذا كان فاسداً فهذه أزمة أكبر لا تحل بالإستعانة بإستشاري إداري!

روي في الحديث أن أبي ذر الغفاري طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوليه عملاً أو يستعمله في مهمة ما، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم بكلمات فيها توجيه ونصح بقوله : " يا أبا ذر، إنك امرؤ ضعيف، وإنها - أي الإمارة أو الولاية - أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها". 

معنى الحديث:

ضعيف:
يشير إلى ضعف أبي ذر في تحمل أعباء المسؤولية والقيام بحقها وهذا معيار أساسي في التوكيل والتوظيف.

أمانة:
تبيّن أن الإمارة والولاية تكليف ومسؤولية عظيمة وليست مجرد تشريف.

خزي وندامة:
تحذير من مغبة التقصير في أداء الأمانة وعدم تحمل المسؤولية، مما يترتب عليه الخزي والندم يوم القيامة.

بحقها وأدى الذي عليه:
تأكيد على ضرورة أخذ الولاية بالحق والعدل، وأداء جميع الحقوق المتعلقة بها. 

الخلاصة:
الحديث يوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم نصح أبا ذر بعدم تولي الإمارة أو الولاية لضعفه، وبيّن له خطورة هذه المسؤولية وأهمية أدائها بحقها والثمن الذي سيدفعه في حال توليها عن ضعف وعدم أدائها.

هذا من الأحاديث المهمة جداً للرسول الكريم لما فيه من تبيان المسؤولية العظيمة لأي مهمة يتكلف بها الإنسان ليشارك في بناء مجتمع فاضل، عادل تتهذب فيه النفوس فتنعدم فيه الجريمة، ويزدهر المجتمع والدولة، وهذا الحديث غير معروف عند الكثير من الناس لأن العلماء يركزون على حديث والعاملين عليها لتعزيز مفهوم الإستفادة على الواجب وحق أداء المهمة فيصبح الفساد والمحسوبيات وإنعدام الثقة والكراهية والحسد صبغة المجتمع.

أعجبتني قصة الغلامين اللذان سردا حلميهما للنبي الكريم يوسف! فإعترض من سيصلب وسيأكل الطير من رأسه وفرح الذي سيسقي ربه خمرا، فقال النبي له لا تحزن فإن ذنوبك إنتهت هنا، يجب على الأخر أن يخاف لأنه لا يزال في أرض الشهوات! 

الإنسان لا يعرف ماذا يكسب غداً ولا يعرف في أي أرض يموت! أم أنه يعرف!!!  لذلك يستمر بضلاله ليتكاثر حِملَهُ فيتوب قبل موته بيوم؟ او يزور بيت الله الحرام فيخرج كما ولدته أمه ناصع البياض ولكن بثروة وعقارات وممتلكات! 

ما يهم التحدث عنه هم أولئك الذين يتزعمون ليستغلوا سلطة منصبهم لتحقيق شهواتهم وعند إستحقاق إعفائه او إقالته يُقبِل كل الأيادي ويحاول بشتى الوسائل الغير أخلاقية البقاء لأنه أكثر من يعرف نتائج سلوكه وتبيعاتها وانه يستمد طاقته وإحترامه الإجتماعي من مسمى مهمته لا من حسن أدائه أو إنجازاته وإخلاصه.

قال الله سبحانه وتعالى ولم يزل قائلاً عليماً: 

¤ وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ¤

هذا أدم عليه السلام، نسي ولم يكن قوياً ليثبت على أمر الله، كان ضعيفاً والضعيف هنا هو ضعيف النفس امام المغريات والقوي هو الثابت.

قال الله سبحانه ولم يزل قائلاً عليماً: ¤ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى ¤

فلا يعتقدن أحد أن له نصيب في شيء لم يكتبه الله له.
الحمدلله رب العالمين، الرحمٰن الرحيم، بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير.
عيسى دياب