الطب في زمن الآلة

يونيو 30, 2025 - 09:17
الطب في زمن الآلة

بقلم: عبد الرحمن الخطيب

في السنوات الأخيرة، أصبح الذكاء الاصطناعي لاعباً محورياً في ميدان الطب، وتحول من أداة تحليلية إلى شريك فعلي في التشخيص والعلاج والرعاية الطبية اليومية. تُظهر التطورات الحديثة في عام 2025 أن الذكاء الاصطناعي لم يعد فقط يتوقع النتائج الطبية، بل أصبح يتدخل في صناعة القرار الطبي بشكل مباشر. فقد أطلقت هيئة الصحة الوطنية في بريطانيا أداة جديدة تحمل اسم "My Companion"، وهي بمثابة مساعد طبي ذكي يساعد المرضى على التشخيص الذاتي، ويقترح عليهم مسارات العلاج الأنسب، ويربطهم بخدمات الرعاية، مما يسهم في تقليص قوائم الانتظار وتسريع عمليات الوصول إلى الخدمة الطبية.

من جهة أخرى، تمكنت شركات ناشئة مثل Mandolin في الولايات المتحدة من تسريع عملية التحقق من تغطية التأمين للأدوية التخصصية، عبر أنظمة ذكاء اصطناعي تختصر الزمن من ثلاثين يوماً إلى ثلاثة أيام فقط، مما يخفف العبء عن المرضى، ويسرع عمليات بدء العلاج، خاصة لمن يعانون من أمراض مزمنة أو معقدة. كما شهدنا إدخال تقنيات الميكرو‑روبوتات في علاج التهابات الجيوب الأنفية، حيث طور باحثون جزيئات روبوتية دقيقة يمكنها دخول تجاويف الجسم وإطلاق العلاج مباشرة نحو البؤر المصابة، دون الحاجة إلى مضادات حيوية أو تدخلات جراحية تقليدية، وهو إنجاز يمثل ثورة في تقنيات العلاج الموضعي.

في الولايات المتحدة، استخدمت بعض المستشفيات نماذج ذكاء اصطناعي تتنبأ مسبقاً بالاكتظاظ في أقسام الطوارئ، اعتماداً على بيانات الطقس، والسجلات التاريخية، ومستوى النشاط المجتمعي، الأمر الذي ساعد في تحسين توزيع الكادر الطبي، والاستعداد المسبق لحالات الذروة، وتقليل وقت الانتظار للمرضى في لحظات الأزمة. كما أدت تقنيات التوثيق التلقائي، مثل Abridge وHeidi Health، إلى تحويل المحادثات بين الأطباء والمرضى إلى ملاحظات طبية موثقة بدقة، مما حرر الأطباء من عناء الكتابة، وساهم في تقليل الإجهاد المهني، وزيادة فعالية الوقت، وتحسين دقة السجلات الصحية.

في المجالات الأوسع للذكاء الاصطناعي الصحي، أظهرت أنظمة التحليل الشعاعي أنها قادرة على اكتشاف كسور العظام والتغيرات الخبيثة بدقة تفوق تلك التي يحققها الأطباء البشر في بعض الحالات. كما طُورت تقنيات لتنظير الثدي عالية الدقة، ساعدت على كشف حالات مبكرة من السرطان لم تكن تظهر في الفحوصات التقليدية. أما في مجال تصميم الأدوية، فقد برزت شركات تعتمد على نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي لتصميم مركبات كيميائية مبتكرة خلال أسابيع قليلة، بدلاً من سنوات طويلة، كما تم تحقيق إنجازات ملموسة في تخصيص الأدوية والعلاج، بما يتناسب مع الصفات الجينية والسلوكية لكل مريض على حدة.

تعمل الأجهزة القابلة للارتداء، والمدعومة بالذكاء الاصطناعي، على مراقبة المرضى لحظياً، وتنبه إلى التغيرات الطارئة مثل ارتفاع خطر فشل القلب، أو تغيرات في نسب السكر والضغط، ما يعطي الفريق الطبي وقتاً مبكراً للتدخل. وفي بعض الدراسات، بدأ استخدام تحليلات الذكاء الاصطناعي لأنماط الكلام والصوت، للكشف عن علامات مبكرة للخرف والاضطرابات النفسية، قبل ظهور الأعراض الواضحة على السطح.

ورغم هذه القفزات النوعية، لا تزال هناك تحديات أخلاقية وتشريعية تفرض نفسها، مثل حماية خصوصية البيانات، وضمان عدم انحياز النماذج، والتأكد من أن القرارات التي تُتخذ بالتعاون مع الذكاء الاصطناعي هي قرارات آمنة، وعادلة، وشفافة. هذه الأسئلة أصبحت مركزية في الحوار العالمي حول علاقة الطب بالتقنيات الذكية، خصوصاً في بيئات تعاني من ضغط الموارد.

وفي السياق الفلسطيني، فإن الإمكانيات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي يمكن أن تفتح نافذة أمل في ظل واقع صحي صعب، حيث يواجه النظام الطبي تحديات البنية التحتية، ونقص الكوادر، وقيود الحركة. إن إدخال أدوات تشخيصية ذكية، أو حلول رعاية افتراضية، أو نظم دعم القرار، يمكن أن يعزز الكفاءة ويقلل من التكاليف، ويتيح تقديم الرعاية حتى في المناطق المحاصرة أو الأقل وصولاً للخدمات. الاستثمار في هذا المجال، حتى بقدرات متواضعة، ليس ترفاً، بل ضرورة وطنية واستراتيجية، تضمن استمرار تقديم الخدمة الطبية، وتفتح المجال أمام تحول صحي ذكي يليق بكرامة الإنسان الفلسطيني وصموده.