كيف أوقع ترمب ونتنياهو إيران في مصيدة خديعة ممنهجة

بحسب الخبراء ، كان المسؤولون الإيرانيون يستعدون منذ أكثر من أسبوع لهجوم إسرائيلي واسع "في حال فشل المحادثات النووية مع الولايات المتحدة" وفق التهديدات الأميركية ، لكنهم على ما يبدو ، ارتكبوا خطأً فادحًا في حساباتهم - إذ لم يتوقعوا هجومًا إسرائيليًا قبل الجولة التالية من المحادثات، المقرر عقدها يوم الأحد في عُمان. هذا ما صرحت به مصادر مقربة من القيادة الإيرانية لصحيفة نيويورك تايمز يوم الجمعة.
كما رفضوا التقارير التي تحدثت عن هجوم وشيك، لاعتقادهم أن الدعاية الإسرائيلية تهدف إلى الضغط على إيران لتقديم تنازلات بشأن برنامجها النووي في هذه المحادثات. وزعمت المصادر أنه من المحتمل أن يكون هذا التراخي قد أدى إلى إهمالهم وسائل احتياطاتهم.
وأفاد مسؤولون أنه في ليلة الهجوم الإسرائيلي، لم يختبئ كبار القادة العسكريين في أماكن آمنة، بل بقوا في منازلهم - وهو قرار مصيري كلفهم غاليًا. كما تجاهل قائد سلاح جو الحرس الثوري، أمير علي حاجي زادة، وكبار أركانه أمرًا بعدم التجمع في مكان واحد. وعقدوا اجتماعًا طارئًا في قاعدة عسكرية بطهران، وقُتلوا في ضربة إسرائيلية مباشرة، بمن فيهم حسين سلامي وعلي شمخاني - أعلى ضباط الجيش الإيراني ومسؤولا البرنامج النووي الإيراني بحسب التقارير
بدأت عملية التضليل، وفق الخبراء، يوم 12 نيسان ، عندما منح ترمب إيران مهلة 60 يوماً، انتهت يوم 11 حزيران. وجاءت الضربة الإسرائيلية التي ألحقت دمارا كبيرا في إيران ونالت بشكل جدي - وإن لم يكن مشلا- من البرنامج النووي الإيراني وقتلت شمخاني والقيادات العسكرية والعلمية الأخرى يوم 13 حزيران (بعد انتهاء المهلة مباشرة). خلال تلك الفترة، وجه ترمب لإيران باقة متنوعة بين التهديد والوعيد والترغيب والتحذير، مراراً وتكراراً مصعدا في مطالبته بتفكيك بنيتها التحتية النووية، دون أدنى حد (ما يعرف بالنموذج الليبي، أي تدمير كل ما له علاقة بأي جهود نووية ، سلمية كانت أو غير سلمية) أو مواجهة عواقب وخيمة. وفي مقابلةٍ أُجريت في أوائل شهر أيار مع الإعلامي الإذاعي الشهير (وصديق ترمب)، هيو هيويت، عرض الرئيس الأميركي على قادة إيران خيارين حاسمين للتعامل مع منشآتهم النووية: "تفجيرها بذكاء" - أي تحت إشراف دولي - أو "تفجيرها بوحشية".
وبحسب الخبراء ، لم يُصدّق الإيرانيون أن ترمب جادا في كلامه، ما أعطى انطباعا أن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ومستشاريه، وقعوا في الارتباك بشأن عدم قدرتهم على قراءة ترمب.
لا بد من الإشارة إلى أن ترمب أعلن في أيار الماضي، أنه سيُحمّل إيران مسؤولية جميع هجمات الحوثيين. ثم لم يفعل ذلك، بل أبرم صفقةً منفصلةً مع الحوثيين - حتى مع استمرارهم في مهاجمة إسرائيل. وبذلك، أضعف مصداقية تهديداته، وترك انطباعًا بأن إسرائيل وُضعت خارج نطاق الدفاع الأميركي مظهرا أن نتنياهو بات وحيدا في الرغبة بضرب إيران.
كما عزز ترامب هذا الانطباع في أماكن أخرى. بدأ التفاوض مباشرةً مع حماس بشأن غزة، متجاهلًا الإسرائيليين. وعندما زار الخليج، لم يقم بزيارة إسرائيل . وفي غضون ذلك، رفع العقوبات عن أحمد الشرع، والحكومة السورية الجديدة. يبدو أنه فعل ذلك دون التحدث إلى نتنياهو، بل استمع بدلاً من ذلك إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. كان هذا الخبر موضع ترحيب خاص من طهران، لأن السعوديين والأتراك كانوا ينصحون ترمب بالتوصل إلى اتفاق تفاوضي مع طهران، ومنع هجوم إسرائيلي.
كما ساهمت وسائل الإعلام الموالية لترمب في الولايات المتحدة بشكل كبير في تعزيز الانطباع بوجود خلاف بين ترمب ونتنياهو. في طهران، من المرجح أن المحللين كانوا يستمعون إلى أصوات رافضي التدخل، داخل إدارته وخارجها، بحسب الخبراء والندوات السياسية العديدة في العاصمة الأميركية. على سبيل المثال، جادل هذا المعسكر، بقيادة الإعلامي اليميني البارز، تاكر كارلسون، بأن إسرائيل تجر الولايات المتحدة إلى حرب لا داعي لها. وحذر كارلسون من أن مثل هذا الصراع سينتهي بمقتل أميركيين دون أي مكاسب إستراتيجية. وبدى أن قرب كارلسون المزعوم من الدائرة المقربة لترمب كان بمثابة دليل فعال على نوايا الرئيس.
وفي منتصف نيسان ، ادعت صحيفة نيويورك تايمز أن ترمب عرقل الغارات الجوية الإسرائيلية المخطط لها على المنشآت النووية الإيرانية، والمقررة في أيار 2025. بعد نقاشات داخلية داخل إدارة ترمب، اختار ترامب المفاوضات الدبلوماسية مع طهران، وهو قرارٌ مدفوعٌ برغبةٍ في تجنب التصعيد العسكري في الشرق الأوسط والتركيز بدلاً من ذلك على شرق آسيا. وقد أُبلغ (ترمب) رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو بهذه النية خلال اجتماعٍ عُقد يوم 7 نيسان 2025.
سارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية الرئيسية، التي لا تُبالي بنتنياهو، وأحزاب المعارضة إلى استغلال الخلاف المدعى بينه وبين ترمب، وصوّروا فشل نتنياهو في الحصول على الدعم الأميركي كدليلٍ على ضعفه الاستراتيجي.
من جهته ، سعى المرشد الأعلى خامنئي إلى تعزيز موقفه، مستخدمًا أساليب دبلوماسية مُجرّبة. في 11 حزيران، (قبيل الضربة) صرّح وزير الخارجية عباس عراقجي على مواقع التواصل الاجتماعي بأن محادثاته مع المبعوث الخاص لترامب، ستيف ويتكوف، ستستمر. وكتب عراقجي: "تولى الرئيس ترمب منصبه قائلًا إنه لا ينبغي لإيران امتلاك أسلحة نووية". وأضاف: "هذا يتماشى في الواقع مع عقيدتنا، وقد يُشكّل الأساس الرئيسي للتوصل إلى اتفاق. ومع استئناف المحادثات يوم الأحد، من الواضح أن اتفاقًا يضمن استمرار الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني بات قريبًا".
وحسب عراقجي أنه طالما استمرت المحادثات في عُمان، فلن يجرؤ نتنياهو على تعطيل العملية، خوفًا من أن يُعرقل ذلك إستراتيجية ترمب الأوسع نطاقًا لتجنب التورط في الشرق الأوسط.
الخبراء يعتقدون أن التحليل الإيراني لتطورات الأمور كان صحيحًا في جميع جوانبه تقريبًا. لقد اعتقدوا أن الفجوة بين ترمب ونتنياهو صحيحة ، وليست مختلقة أو مبالغ بها. اعتقدوا أن ترمب يريد صفقة ويريد كبح جماح إسرائيل. وحسبوا أن إسرائيل لا تستطيع التصرف بمفردها - بل تعتمد على البنية التحتية للدفاع الصاروخي الأميركي، واعتقدوا أن الولايات المتحدة وحدها هي القادرة على منع إيران من توسيع نطاق الحرب - واعتقدوا أن ترمب لا يرغب في التصعيد.
للوهلة الأولى ، تبدو القراءة الإيرانية للموقف سليمة، ولكنهم تجاهلوا أمرا واضحا، أن كل ما يخص إيران وموقف الولايات المتحدة منها، هو وفريقه (خاصة ستيف ويتكوف) ، ينسق بشكل كامل مع نتنياهو ، ويعطيه حق القرار الأول والأخير ، كما هو الحال في مفاوضات غزة.