الإسمنت لتوثيق الهوية الفلسطينية

يناير 16, 2025 - 09:27
يناير 16, 2025 - 09:29
الإسمنت لتوثيق الهوية الفلسطينية

في زمن تتعرض فيه الهوية الفلسطينية للطمس والاستهداف الممنهج، يبرز الفن كوسيلة مقاومة تحفظ الماضي وتروي الحكايات. رنا الفاخوري، فنانة فلسطينية شغوفة بالتراث، حملت على عاتقها مهمة تخليد القرى الفلسطينية المهجرة وتوثيق بيوتها القديمة باستخدام الإسمنت. مشروعها "تذكار" ليس مجرد فن، بل رسالة أصيلة تحكي تاريخًا لا يقبل النسيان، وتقدم من خلاله تفاصيل تأخذنا في رحلة عبر الزمن، حيث يعود الانتماء ويُخلد الجمال.

رنا الفاخوري، صاحبة مشروع "تذكار"، بدأت رحلتها بشغف عميق تجاه البيوت الفلسطينية القديمة المهجرة. هذا الشغف، الذي نما معها منذ الصغر، كان الدافع وراء تحويل خيالها إلى نماذج معمارية مصغرة توثق الذاكرة الفلسطينية. تقول رنا: "كان عندي حب للأماكن القديمة والبيوت المهجرة، ومن هنا انطلقت فكرة التوثيق باستخدام مادة الإسمنت، كونها قوية وتتحمل عوامل الزمن، مما يجعل المنتج يشبه الحقيقة ويزداد جمالاً مع مرور الوقت".

بدأت رنا مشوارها بتجربة بسيطة استوحتها من مخيلتها، ولم تكن تتوقع أن تلاقي أعمالها هذا التفاعل الكبير من الناس. "أول تصميم لي كان بيتًا قديمًا من مخيلتي، والنتيجة فاقت توقعاتي. ردة فعل الناس شجعتني على الاستمرار وتطوير تصاميمي لتشمل تفاصيل أكثر واقعية".

لا تكتفي رنا بتصميم المباني، بل تضيف لمسات مستوحاة من الطبيعة باستخدام مواد معاد تدويرها كالأخشاب وأوراق الشجر، مما يمنح النماذج لمسة فريدة ومزيدًا من الواقعية. كما أنها تركز بشكل خاص على إعادة إحياء البيوت الفلسطينية المهجرة، قائلة: "أكثر ما يميز مشروعي هو القيمة المعنوية. عندما يطلب زبون تصميم بيت قديم لوالده أو لجده، أشعر بأنني أشارك في توثيق ذكريات عزيزة على الناس".

لم تتوقف جهودها عند صناعة النماذج فحسب، بل اتجهت أيضًا لتدريب الأجيال الشابة عبر ورش عمل ودورات لتعليمهم هذا الفن الفريد. "منذ خمس سنوات بدأت تدريب الناس على تصميم المجسمات المصغرة، واكتشفت اهتمامًا كبيرًا بهذا المجال، مما عزز إيماني بأهمية التوثيق الثقافي".

الدعم العائلي كان له دور كبير في نجاح رنا، حيث نشأت في بيت يحتفي بالفن، إذ كان والدها يعمل بالخزف والرسم. "الجو العائلي كان دائم التشجيع، وزوجي وأولادي كانوا سندًا لي في تنظيم وقتي بين عائلتي ومشروعي".

تطمح رنا إلى إيصال مشروعها للعالم، قائلة: "أحاول أن أنشر فكرة توثيق البيوت الفلسطينية القديمة لتصل خارج فلسطين. توثيق التراث المعماري والثقافي مهم جدًا، خاصة في وقت تتعرض فيه هذه البيوت للاندثار".

رنا الفاخوري ليست مجرد فنانة، بل راوية للحكايات الفلسطينية عبر الإسمنت والفن. مشروع "تذكار" يقدم أكثر من تصاميم معمارية؛ إنه يحيي الذاكرة ويعيد للناس جذورهم التي يحاول الزمن والاحتلال محوها. تقول رنا: "أنصح كل من يريد بدء مشروع أن يكون شغوفًا بما يحب، لأن الحب والشغف هما مفتاح النجاح." في وقت تتسارع فيه محاولات طمس الهوية، تبقى رنا ومشروعها شاهدين على جمال الماضي وإرثه الذي لا ينسى.

إعداد: رهف تحسين جيتاوي