الدبلوماسية العامة والمؤثرون.. أداة قوة ناعمة
دلال صائب عريقات
في عالم اليوم الذي يشهد تحولاً متسارعًا في أنماط التواصل والتأثير، أصبحت الدبلوماسية العامة أداة أساسية للدول لتعزيز مكانتها وصورتها على الساحة الدولية. لا يمكن إنكار أن الاستثمار في القوة الناعمة والإعلام الموجه قد بات ضرورة استراتيجية، وليس مجرد رفاهية. بداية هذا العام، زادت دولة الاحتلال ميزانيتها للدبلوماسية العامة بشكل هائل لتصل إلى 150 مليون دولار في عام 2025. يهدف هذا الاستثمار إلى تمويل حملات إعلامية عالمية، التواصل مع الصحافة الدولية، والعمل على المنصات الرقمية، بالإضافة إلى برامج تستهدف الجامعات والمجتمعات في الخارج والمؤثرين المحليين لاختراق الجماهير والسيطرة على عالم الرواية. الخبر الإسرائيلي الأخير عن تعزيز ميزانية وزارة الخارجية الإسرائيلية للدبلوماسية العامة واستراتيجيات "الوعي الجماهيري" يقدم نموذجًا يمكن تأمله، سواء من حيث التحديات أو الفرص.
الإسرائيليون يتفننون في عالم التضليل وقلب الحقائق وتزييف الواقع من خلال الهاسبارا وبناء الرواية التي تغطي على الجرائم وسياسات الاحتلال وتروج لرواية التفوق التكنولوجي ودولة الديمقراطية! وصف وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، الجهود المبذولة بأنها "حرب وعي"، مشيرًا إلى أن التأثير على الرأي العام العالمي يشكل اليوم ساحة معركة حقيقية. هذا التصور يعكس اعترافاً بأهمية الرأي العام في تشكيل السياسات الدولية. عندما يتأثر الرأي العام في الدول الديمقراطية، فإنه يحد من خيارات صانعي القرار ويضغط على الحكومات لتبني مواقف معينة.
من هنا، لا يمكننا تجاهل أن العديد من الدول، بما فيها دولة الاحتلال، تستخدم الدبلوماسية العامة كوسيلة لإعادة صياغة صورتها أمام العالم، متجاوزة الأطر التقليدية للعمل الدبلوماسي. يتم ذلك من خلال حملات إعلامية، التواصل مع المؤثرين، استخدام المنصات الرقمية، والعمل في الجامعات والمجتمعات المدنية.
هذه الخطوة تفتح باب النقاش حول أهمية تخصيص موارد مالية وبشرية للدبلوماسية العامة كجزء من استراتيجية أوسع للقوة الناعمة. في عالم تُشكله السرديات الإعلامية وسرعة انتقال المعلومة، فإن الاستثمار في هذه المجالات يصبح ضرورة لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية.
من الأفكار البارزة التي نطرحها هي ضرورة تخصيص الرسائل الإعلامية لتتناسب مع الجمهور المستهدف. لا يمكن اعتماد نفس الرسائل والأساليب للتواصل مع جمهور فرنسي أو أميركي، كما لا يمكن مخاطبة العالم العربي بنفس اللغة الموجهة إلى الغرب. هذا التخصيص يضمن فعالية أكبر وتأثيرًا أعمق، وهو ما ينبغي أن يكون محورًا رئيسيًا لأي استراتيجية دبلوماسية.
إذا كان لنا أن نستخلص دروسًا من هذا النموذج، فإن أهمها يكمن في:
1. الشراكة مع المؤثرين: يعد التعاون مع الشخصيات العامة والمؤثرين الأفراد في مجالات الإعلام أداة فعالة للوصول إلى جمهور أوسع.
2. التركيز على الجمهور الدولي: يجب أن تكون الرسائل الإعلامية موجهة بدقة، مع مراعاة الثقافات واللغات والسياقات المختلفة.
3. التفاعل مع الجاليات: استخدام روايات وقصص الأقليات لتقديم سرديات إنسانية تعزز الرسالة الأساسية.
4. التكيف مع التكنولوجيا: الاستفادة من المنصات الرقمية للوصول إلى الأجيال الجديدة وتوسيع دائرة التأثير.
الدبلوماسية العامة ليست مجرد حملة علاقات عامة مؤقتة، بل هي عملية تواصل استراتيجي مستمرة تتطلب تخطيطًا طويل المدى واستثمارًا مستدامًا. في ظل التحديات، يصبح تبني هذا النهج ضرورة ملحة. علينا أن نطور أدواتنا ونستثمر في بناء صورة تعكس قيمنا وقضايانا العادلة أمام العالم. إن عالم اليوم لا ينتظر من يقف مكتوف الأيدي. الفراغ الإعلامي والدبلوماسي الذي لا نملأه نحن، سيملأه الآخرون بسرديات قد لا تخدم مصالحنا. الاستثمار في الدبلوماسية العامة هو استثمار في المستقبل، في تشكيل الرأي العام، وفي بناء جسور الثقة والتفاهم مع الشعوب والمجتمعات. الاستثمار في الأدوات من المؤثرين الأفراد يجب أن يكون ضمن استراتيجية الدبلوماسية الفلسطينية الرسمية.